كانت الخصوصية وما زالت مثار جدل بين فرقاء عدة، بعضهم يراها دافعة، وقلة تراها كابحة لجماح الطموحين للمضي قدما نحو آفاق التميز والازدهار.

لست هنا بصدد نصرة فريق على آخر، أو تبني مفهوم على حساب آخر، إنما أحاول كمواطن سعودي، أن أسقط المعاني الجميلة والوضاءة لهذا المصطلح على واقعنا المعاش في المملكة العربية السعودية.

كلنا يعلم أن الجزيرة العربية، مهبط الرسالة ومبعث ومولد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، وقبل ذلك حظيت بخاصية وجود بيت الله العتيق، تلكم أول خصوصية اختص بها الله هذه الأرض وإنسانها.

ولظروف سياسية معروفة للجميع فقدت هذه الجزيرة حضورها السياسي لصالح الأقاليم العربية والإسلامية المحيطة بها، وهذا ما جعلها معزولة عما يجري حولها من أحداث وفتن، وهذا أكسبها لاحقا خصوصية السلامة والنجاة من شرور المستعمر وآثاره السيئة على الإنسان والأرض والمقدسات.

وللدول السعودية بأدوارها الثلاثة حكاية ونهج مع هذه الخصوصية، فمن نعم الله على إنسان هذه الأرض أن جعل هذه الدولة تراعي هذا الأمر ليصبح نهجها ومنهجها الذي تستنير به في كل شؤون حياتها، وهذا أكسبها الشرعية والقوة والاستمرارية.

لقد أكسبت الخصوصية بمعانيها المتفق عليها، هذه الأرض وإنسانها فرادة في الحياة والعيش، يتجلى ذلك في أمور كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، العلاقة بين الحاكم والمحكوم، تلك العلاقة التي تستمد أصلها ورسوخها من تلك الخصوصية، ثم تنصهر لتصبح علاقة إنسانية مؤطرة بالحب والتواد، تجعل إنسان هذه الأرض يتمسك بهذا النظام ويحميه ويشرعنه ويؤصله.

فالشرعية والتأصيل تجسدهما البيعة الشرعية التي يصافح بها السعودي حكامه في عهد وولاء وميثاق، وأما الحماية فهي إيمان السعودي المطلق بضرورة الحفاظ على مكتسبات الأمن والرخاء والاستقرار.

أما العلاقة بين الحاكم والمحكوم فهي خصوصية أخرى يتجلى جزء كبير منها في المجالس المفتوحة، التي يتم من خلالها تبادل الرؤى والأفكار، وتدارس مشاكل الناس ورعاية مصالحهم. تلك المجالس تمثل خصوصية اجتماعية فريدة لهذه الدولة، لها آدابها وقواعدها العامة وبروتوكولاتها الاجتماعية الموغلة في البساطة والصراحة والوضوح.

ولان صاحب النعمة محسود، فقد اكتسب السعودي حاكما ومواطنا بعدا، أشعره بهذه النعم العظيمة، خصوصية حياتية أخرى، تتمثل في المناعة والممانعة، الأولى مناعة فكرية، سياسية واجتماعية، ضد كل من يتطاول على هذه البلاد ويحاول تشويه سمعتها وشق صفها أو تغيير هويتها، والثانية الوقوف وبكل قوة أمام من يحاول زعزعة ثوابت المملكة وقيمها العقدية والإنسانية العظيمة.

وللوطن مع الأحزان والأفراح خصوصية حياتية أخرى، فعندما أعلنت وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ضج الناس بالبكاء وخيم الحزن على القلوب قبل البيوت، وارتفعت أصوات خطباء المساجد بالدعاء لفقيد الوطن، في صورة تعكس خصوصية الحب وصدقه بين الحاكم والمحكوم، لم تكن مشاهد معدة مسبقا ولم تكن مشاعر تجارية معلبة، بل كانت أحاسيس بشر صادقة نزيهة أمينة. وللسعوديين مع الفرح خصوصية حياتية، فالشعب عانق مليكه سلمان بالحب وقبل ذلك بالدعاء له بالتوفيق والسداد، تجد السعودي البسيط في أقصى بقاع المملكة يلهث لسانه بالدعاء لمليكه، في مشهد يعكس خصوصية إنسانية يشكلها المواطن، ويستشعرها الحاكم ويعيش الجميع بها مشاعر وأحاسيس.

المملكة تعيش هذه الأيام خصوصية فرح جديدة، أعقبت قرارات مليكنا سلمان بن عبدالعزيز، فقد صافح رعاه الله إنسان هذه الأرض بحزمة من القرارات والهدايا والهبات، لعل أهمها إقراره البيعة لولي عهده الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ولولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، وهو بذلك قد أخرس ألسنة الحاقدين والمشككين في بلادنا ومؤسسة حكمها، فكانت تلك أغلى هدية يقدمها الملك لشعبه وللعالم أجمع، فاستقرار المملكة مطلب سياسي واقتصادي وحياتي للعرب والمسلمين وللعالم أجمع.

ليس ذلك بغريب على خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، فهو خصوصية أخرى تضاف وتعد لهذه البلاد وشعبها، كونه استثناء التاريخ والتجربة والحضور، كيف لا؟، وهو الملك ابن الملك رفيق الملوك.