نقلا عن مؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي، نشر "مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط"، في 29 يناير الماضي، مقالاً تحليلياً بقلم كل من: دينيس روس، المستشار بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وإريك إيدلمان، الزميل المميز بمركز التقديرات الاستراتيجية والموازنة، وراي تاكية وهو زميل مميز بمجلس العلاقات الخارجية، استخلصوا فيه بأنه قد آن الأوان للإقرار بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية قسرية متجددة، من النوع الذي يهدد أثمن شيء بالنسبة إلى إيران – وهو نفوذها في الشرق الأوسط ومركزها في بلادها.
تبدو المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران واقعة في حالة من الجمود. وفي الوقت نفسه، تحرز إيران تقدماً ثابتاً في الشرق الأوسط حيث تدعم قواتها الانقلاب في اليمن وتؤيد آلة الحرب التي يقودها الأسد في سورية وتتوسط بين الفصائل في العراق وتتآمر مع عناصر "حزب الله" عند الحدود مع إسرائيل. وبينما يعاني حالياً نظام التحالف الأميركي من الخلل والضعف، يرى أصدقاء واشنطن في المنطقة أن إيران وجبهة المقاومة التابعة لها تتقدمان في المنطقة بخطى حثيثة.
إن هذين التطورين المتزامنين – أي جمود المحادثات النووية وتحركات إيران العدوانية في المنطقة – ليسا محض صدفة، بل هما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً. ولا بد أن يشكل هذا الأمر درساً يتعلمه الرئيس الأميركي باراك أوباما: وهو أنه لا يمكن كسر الجمود النووي، إلا إذا عاودت واشنطن الانخراط في العدد الكبير من النزاعات والحروب الأهلية التي تعترك المنطقة، لا سيما في الوقت الحالي، حيث أصاب الوهن دولة اليمن، مما يسبب قلقاً للمملكة العربية السعودية.
والجدير بالذكر أن إيران استفادت من لائحة سخية من التنازلات من قبل الغرب خلال المفاوضات النووية التي أجريت على مدى العام الماضي. فقد رضخت "مجموعة 5+1" للتخصيب الإيراني ووافقت على أن طهران ليست بحاجة إلى تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي لديها بشكل ملحوظ أو تفكيك أيّ من مرافقها، كما وقبلت بأن يكون لها برنامج ذو حجم صناعي بعد مرور فترة من الزمن. وفي الواقع أنه خلال فترة 10 سنوات من المفاوضات، اعتاد الإيرانيون على عودة محاوريهم إلى طاولة المفاوضات وفي جعبتهم تنازلات هدفها تلبية التعليمات التي تم تفويضهم بها، في حين لا يقدمون سوى تسويات محدودة من جانبهم.
ولكن على الرغم من ذلك، لم يتم التوصل إلى أي اتفاق في نهاية الإطار الزمني لخطة العمل المشتركة الذي دام عاماً واحداً – ولا يزال المرشد الأعلى علي خامنئي يُلمح إلى أن إيران قادرة على الصمود دون اتفاق. والحقيقة هي أن فريق مفاوضيه يضغط للحصول على المزيد من التنازلات دون أن يُقدم أي تنازل من جهته.
لذلك، آن الأوان للإقرار بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية قسرية متجددة، من النوع الذي يهدد أثمن شيء بالنسبة للجمهورية الإسلامية – وهو نفوذها في الشرق الأوسط ومركزها في بلادها. ولا بد أيضاً من توقف نمط التنازلات المتبع على طاولات المفاوضات إذا كان هناك أمل بالتوصل إلى اتفاق مقبول. يجب على المسؤولين الإيرانيين أن يدركوا أنهم لن يحصلوا على أي تنازلات إضافية مقابل التوصل إلى اتفاق وأن الوقت لانتهاء المفاوضات بات ينفد.
في هذا السياق، ينبغي على واشنطن أن تدرس فكرة شن حرب سياسية على طهران كتكملة لسياسة العقوبات الاقتصادية التي تنتهجها. ويجب على مسؤولي الإدارة الأميركية وخدمات البث والإذاعة التابعة لها أن يلفتوا الأنظار إلى الطبيعة البغيضة للنظام وسلوكه القمعي. فهذه اللغة لن تكتفي بتسليط الضوء على قيم الولايات المتحدة فحسب، بل من الممكن أيضاً أن تحث على نشوب معارضة سياسية. وهكذا إذا واجه النظام ضغوطاً محلية ووقع تحت وطأة الضغط في الخارج، فقد يبدأ بالتفكير في الثمن الذي سيدفعه لقاء تعنته حول المسألة النووية.
يبدو أنه مقدر للولايات المتحدة وإيران أن تبقيا عدوين. وقد يكون من الممكن أن يتفاوض الأعداء حول اتفاق للحد من التسلح، ولكن الطريق للتوصل إلى مثل هذه الاتفاقية لا يتعبد من خلال التنازلات الإضافية التي تقدمها "مجموعة 5+1". وإذا أرادت واشنطن صفقة مقبولة في هذه المرحلة، فلا بد أن يرى قادة إيران أنّ خسارتهم ستكون أكبر من مكاسبهم إذا لم يعقدوا صفقة.