استعرض قسم التحليل بـ"مركز الدراسات الأميركية والعربية" في 23 يناير الماضي، "خطاب حالة الاتحاد" السنوي للرئيس الأميركي باراك أوباما، وتبيان نواقصه وما أغفله من قضايا ما دفعه إلى الزعم بأن سياساته الخارجية حققت إنجازات متعددة. كما يسعى التحليل لسبر أغوار الحملة الانتخابية المقبلة ورسم معالم الخطاب السياسي للمرشحين عن الحزب الديموقراطي:
"خطاب حالة الاتحاد" السنوي للرئيس الأميركي "واجب دستوري" دأب على تطبيقه الرؤساء الأميركيون في مناسبة سنوية فريدة تجمع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية الأميركية تحت سقف مجلس النواب، يستعرض فيها ما آلت إليه أحوال الأمة على الصعد الداخلية والخارجية، ويرسم آفاق السياسة المُقبلة للعام التالي والمرحلة المقبلة.
خطاب الرئيس أوباما، الذي نحن بصدده، سلك ذات الدرب لأسلافه ورسم صورة مشرقة وواعدة لما يجري وسيجري، والذي عادة يسجل له بلاغته واقتراب خطاباته من نص أدبي راق، تخلله "اقتراحات" لأجندة تشريعية يطمح في تحقيقها خلال ما تبقى له من ولاية رئاسية.
بعد تعديل موازين القوى السياسية لصالح خصومه الجمهوريين، يعتمد مدى نجاح الرئيس أوباما في تطبيق أجندته السياسية، أو الجزء الأهم منها، على أسلوبه وبراعته في التعامل مع الخصوم المتوثبين لتقويض أية إنجازات تصب في مصلحة الرئيس وحزبه الديموقراطي، وأيضاً على مدى فعاليته في ردم الهوة التي تزداد اتساعاً بين الحزبين.
الجزء الأكبر من المراقبين اتهم الرئيس أوباما بالغطرسة ولهجة التحدي، وقليل من حكمة التعامل المشترك – في الجانب الشكلي. أما في المضمون فجاء خطابه متساوقاً مع طموحاته والتصرف بالحقائق السياسية والمتغيرات الدولية بما يخدم رؤيته ورؤية المؤسسة الحاكمة الساعية دوماً إلى بسط سيطرتها وهيمنتها على العالم أجمع، بمقدراته وثرواته البشرية والطبيعية.
في الشق الداخلي، تفادى الرئيس أوباما الخوض في نتائج الانتخابات النصفية التي أسفرت عن خسارة مدوية لحزبه الديموقراطي، ولم يفصح عن أي مؤشر يفيد بتغيير السياسات المتبعة ملوحاً مراراً باستخدام حق النقض (الفيتو) لإفشال أي مشروع يصر عليه خصومه ويحد من "إنجازاته" السابقة.
في السياسة الخارجية، وتحديداً ما يتعلق "بالشرق الأوسط"، أثبت الخطاب بُعد المسافة بين الواقع والتمنيات، خاصة فيما يتعلق بما يُسمى محاربة الإرهاب. يُذكر أن الرئيس أوباما أثنى قبل أشهر معدودة على تعاون الحكومة اليمنية في محاربة الإرهاب وسماحها لشن غارات جوية دون طيار على مواقع مشتبه بعودتها لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بيد أنها حصدت أعداداً مرتفعة من الضحايا المدنيين. وسرعان ما انهارت الحكومة اليمنية تحت وطأة فشل سياساتها وتبعيتها وإخفاقها في وضع حد لتدهور الأوضاع الاقتصادية.
لوحظ غياب أي إشارة في خطاب أوباما – ولو عابرة – إلى مصير الجهود الأميركية حول ما يطلق عليه التسوية السلمية أو لرعاية التفاوض بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
الإطار العام لخطاب الرئيس أوباما أخذ بعين الاعتبار السباق الرئاسي ومرشحي حزبه الديموقراطي، ومن ثم غالبية ما ورد فيه كان يرمي إلى خدمة خطاب المرشحين المقبلين، سيما لذكره مراراً ما ينوي إنجازه في السنتين المقبلتين. ورمى الرئيس أوباما إلى صياغة وترتيب أولويات عناصر الأجندة المقبلة وتسخيرها في خدمة الحزب الديموقراطي، مستنداً بشكل رئيس على تحسن الأداء الاقتصادي – كما تراه النخبة الحاكمة. إن شئنا التدقيق في مفردات الأجندة وجدنا أنه لا ينوي العمل مع الكونجرس وفق أرضيتها، بل استخدامها كإطار لإطلاق حملة المرشحين الديموقراطيين، ومن هنا يمكننا سبر أغوار الجُمل الرنانة حول تحقيق طموحات الطبقة الوسطى، بينما غابت مفردات عدم المساواة وإشراك الطبقة الوسطى في توزيع الثروة.
البرامج أو الخطط المقترحة، جلها في نطاق الرعاية الاجتماعية والصحية والتربوية، هي عناصر مماثلة لأجندته الانتخابية في المرتين السابقتين، والتي من شأنها إعادة تصويب النقاش العام حول أهمية رفع مستوى المعيشة للطبقة الوسطى بشكل خاص. تجزئة "الأجندة" بغية تهميشها وإثبات عقم تطبيقها هي من الأمور التي سيسلط عليها الحزب الجمهوري جهوده البارعة في تشويه صورة الخصم، خصوصا في بنود الرعاية الصحية الشاملة – "أوباما كير"، التي أضافت قوانين وإجراءات إضافية ينبغي التزام أرباب العمل بها.
دولة الرعاية وبرامجها المتطورة برزت في ظل أوضاع محلية ودولية يعتقد الحزب الجمهوري أنه آن الأوان لإعادة النظر فيها أو إلغائها، تحت ظل مقولة "تقليص حجم الدوائر الحكومية وأطقمها المنفلتة من عقالها". نجاح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة تلوح في الأفق، حسبما تفيد استطلاعات الرأي المختلفة، معظمها على أرضية معارضته لشخص الرئيس أوباما ومن يدعمه امتداداً. "أزمة" الحكم تتجدد كل دورة انتخابية، والعام المقبل ليس استثناء للقاعدة الأميركية.