في لقاء متلفز بث على BBC العربية قبل يومين قال الفنان السوري غسان مسعود حينما استضافته الإعلامية ملاك جعفر، إن الدراما العربية اليوم أصبحت خليطا من مشاهد الجنس والخيانة وكل ما يطلبه صاحب الدكان الإنتاجي هذا أو ذاك.
وقد تساءل بل تمنى على الإعلامية أن تدله على أين يمكن له أن يجد منتجا أو صاحب نص إبداعي مستعد أن يقدم عملا يمكن له أن يقول إنه يفخر به.
رأي الفنان السوري الذي شارك في أفلام عالمية حاصلة على جوائز معروفة يأت امتدادا لشعوره الواضح باليأس الذي يعشه كل السوريين من الحالة المزرية التي وصل إليها حالهم وحال العرب كلهم، ورغم أنه نبه الإعلامية ملاك في أكثر من مناسبة أثناء اللقاء بعدم الاقتراب من العناوين السياسية في أسئلتها إلا أن اللقاء في حد ذاته كان كله عنوانا سياسيا لهذه الحالة التي نمر بها من سيرالية المشهد السياسي العربي وبوهيمية الحالة الاجتماعية والفكرية.
الصوت العربي أصبح اليوم مقسما بشكل واضح بين طرفين لا يمثل ثالثهم إلا أقلية، فمن جانب يقف المتطرف الفكري المنحاز لما يراه تفسيرا صحيحا للنهج الديني مسيحيا كان أو يهوديا أو مسلما، سنّيا كان أو شيعيا، وفي الطرف الآخر أصوات تنبح بلغة فكرية شعبية تعتمد أسلوب المناكفة للدين وتعتمده منهاجا استراتيجيا لها، خوفا من أن تتغلغل الأفكار التي أصبح مشكوكا في صحتها كما يقولون نظرا لاختطافها من قبل من اتبع القسوة لا اللين في الدعوة.
الطرف الثالث، الذين أصبح اليوم صوتهم الأقل ارتفاعا والمغلوب على أمره، هو ذلك الذي يمثله هؤلاء الذين لا يقفون لا مع هذا الطرف أو ذاك بل في الوسط، فلا يؤمنون بما تقوله "داعش" ولا يؤيدون حالة المناكفة والترويج لمظاهر الانحلال الأخلاقي والفكري. يتحدثون ولكن يبقى خطابهم فاقد للجماهيرية، لأنه لا يعتمد على مقاطع جز ونحر الرقاب، ولا يروج لمشاهد الجنس وتهييج العواطف والرغبات.
لو راقبنا إعلامنا العربي من المحيط إلى الخليج سنجد أن الواقع الذي ينقله لنا يقتصر على وجهين متناقضين، تماما كلوحة سيريالية، فواقعنا العربي المتطرف تمكن من أن يحول لغة الحقيقة إلى صوت لا يحتمل الفهم إلا بتبني منطق التطرف ذاته، لذلك صدق غسان مسعود عندما قال إن حل الأزمة السورية لا يبدأ إلا بحوار المتناقضين.
أما العقلاء فهم اليوم يجلسون على مقاعد المتفرجين يندبون عجزهم وسلبيتهم.