لم يعد الأمر مقتصرا على أن يكون أحد مسيري الشأن النفطي والطاقة في المملكة معنيا بإنتاج النفط فقط. مناصب كهذه حين توكل لشخصيات ما، فإن تلك الشخصيات ليست بارعة في حساب كم برميل ننتج فحسب، وإنما أبعاد أكثر تتقنها تلك الشخصيات، أبعاد سياسية واقتصادية.
المملكة أحد الكبار على الساحة الدولية، وتعد المحرك الرئيس والمسيطر المهم في أسواق النفط، هذه السلعة التي حركت أساطيل وغيرت معالم الخرائط الاقتصادية وما زالت، إذ الأسواق ومؤشراتها تشير إلى ذلك كل يوم. محادثات رسمية تقام لها طاولات واجتماعات ممتدة، لتناقش سبل استقرارها وتأثيراتها، والمملكة حين تكون حاضرة على طاولة تلك الاجتماعات، يكون التغيير والحديث بقيادتها فهي دولة ذات ثقل ومكانة عريضة تغير بقراراتها سياسة العالم.
هذه النعمة التي يصطلح عليها أيضا "الذهب الأسود" على الخريطة السعودية، عزز قوتها تسنم قيادات بارعة في إدارة إنتاجها واقتصادها، ومع تزايد مخاطر استهلاكها، وهي النافذة في كل محركات الاقتصاد في العالم، جاءت القيادات السعودية التي تعاقبت عليها قادرة على فهم الأبعاد الاقتصادية والسياسية لها، وحاليا وبعد تجديد الثقة الملكية في وزير البترول والثروة المعدنية الدكتور النعيمي، أتى اختيار الأمير عبدالعزيز بن سلمان نائبا للوزير على هذا الشأن الهام في قرار أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أول من أمس في ليلة الأوامر الملكية، إلا أن مهمة هذا النائب لم تكن وليدة اليوم في حقل الطاقة، إذ شغل طويلا منصب مساعد وزير البترول والثروة المعدنية للشؤون البترولية، ولم تتوقف هذه المهام عند حد مساندة مسيري السياسات النفطية فقط، وإنما نهض الأمير عبدالعزيز بن سلمان ذو الـ55 ربيعا بمهام أكبر، باشر خلالها ملفات أوسع، مكنت وزارة البترول والثروة المعدنية من لعب دور مهم في إطار المحافظة على ثروة هذه البلاد وليس إنتاجها وقيادة سياساتها فقط.
الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الذي حصل على درجة البكالوريوس في العلوم بالإدارة الصناعية من جامعة على حدود حقول النفط السعودية، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ونال الماجستير فيها أيضا عام 1985، تمكن باقتدار من لعب الدور الأساس وما زال في حقل مجابهة مخاوف استهلاك حقول الطاقة محليا.
وبينما تشهد المملكة تطورا اقتصاديا وصناعيا غير مسبوق خلال العقود الأخيرة، راكم ذلك زيادة مطردة في الاستهلاك المحلي للطاقة، حيث الكهرباء والصناعة، وبناء على الأنماط الحالية للاستهلاك المحلي للطاقة وعلى رأسها البترول، فإن التقديرات تُشير إلى أن هذا الاستهلاك ينمو بمعدل يتراوح بين 4%، و5% سنويا حتى عام 2030، ومع هذا النمو في الطلب الذي يرجعه بصورة أساسية الخبراء إلى النمو الصناعي وتنامي الرفاهية الاقتصادية في المملكة، فإن جزءا كبيرا منه نتج عن عدم الكفاءة في الاستهلاك.
في هذا الملف برع عبدالعزيز بن سلمان، وجاء كمحارب امتطى صهوة جواد قادم من الخلف ليتجاوز المهتمين، ونجح في حمل لواء حملة لترشيد استهلاك الطاقة التي يعرف أسرارها أكثر من أي شخصية أخرى قد تحمل الهم الاقتصادي في المحافظة على هذه الثروة.
ويقول نائب وزير البترول والثروة المعدنية الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في مقالة نشرتها مجلة منتدى أوكسفورد للطاقة: "في حين تمكنت غالبية الدول من خفض كثافة الطاقة في اقتصاداتها، شهدت كثافة الطاقة في المملكة زيادة كبيرة على مدى العقدين الماضيين، وهذا يحتم على المملكة من الناحية الاستراتيجية أن تجعل ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة من أولوياتها الرئيسة"، إذ بدأت المملكة أول برنامج وطني لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة، وصار ذلك من أولوياتها.
عبدالعزيز بن سلمان، وهو الرقم الصعب في اجتماعات الطاقة ولجانها المتعددة، يؤمن تماما بالعمل المؤسسي ويحرص تماما على تلبية دعوات الجهات التي تنظر في الشأن النفطي وتناقشه، ومنها مجلس الشورى الذي حرص دائما على حضور لجانه وهي تدرس تقارير أداء وزارته، انطلاقا من إيمانه بضرورة فهم الجميع لأبعاد ما تقوم به وزارته، وهو في إطار أعماله ليس ذلك المسؤول البارع في مسؤولياته فقط، لكنه أيضا الإنسان الذي يملك تواضعا كبيرا وروحا مرحة تنتهي بالكثير من الاجتماعات إلى أجواء أخرى أكثر تفاهما، إذ يأسر كل من يحتك به، فكان ابن سلمان المحارب على جبهة الطاقة يقدم حس دعابته وملامح تواضعه، قبل براعته في قيادة الملفات النفطية والبترولية.