يقول أخصائي نفسي سعودي "نحن ندلل أطفالنا قبل الخامسة دلالاً شديدا ثم نعاقبهم على دلالهم بعد الخامسة".

متناسين أن ما نزرعه في أطفالنا نحصده إن آجلاً أم عاجلا، وعلماء النفس يقولون إن عقل الإنسان يتكون في الخمس سنوات الأولى. هذه الخمس سنوات الأولى التي تمر سريعا دون أن نلحظها ونحاول أن نقتنص فيها حلاوة اللحظات الأولى لأطفالنا وننسى بعدها كيف عاملناهم، ولكن عقولهم الصغيرة لا تنسى.

مع انتفاء البهجة في مجتمعنا يتحول الأطفال إلى مصدر البهجة الوحيد لآبائهم وأمهاتهم بوعي أو بدون وعي، فنغدق عليهم الدلال والهدايا منتظرين منهم أن يبتهجوا بها ويمطرونا سمعا وطاعة، ولكن سرعان ما يملون منها ويصيبوننا بالدهشة والحيرة والإحباط أحيانا.

انفعالنا الشديد وأصواتنا التي تهز مولات دبي والسعودية وأقطار العالم هو لأننا لم نعرف كيف نتعامل مع أطفالنا في البيت، فتنفجر مواهبهم المزعجة في الأماكن العامة نتيجة قصر تجربة المجتمع في هذا الشأن الذي يعامل الصغار كدمى في أعمار مبكرة ثم يطالبهم بنضج لم يخطط له جيدا، ويبقى الطفل هو الأذكى منا بمراحل حتى طفل الأشهر الأولى يستطيع قراءتنا دون أن نلحظ ذلك.

الدلال الشديد والتعنيف الشديد يصدر شخصيات صغيرة مضطربة، لا تدري ما هو المطلوب منها حينما يتحول إلى وسيلة التسلية الوحيدة في البيت ثم ينقلب فجأة إلى مصدر إزعاج لا يمكن ضبطه بكل الطرق الدبلوماسية وغير الدبلوماسية.

في الغرب يعاقب الوالدان على التعنيف الشديد لأبنائهما لدينا، وفي العالم العربي كل الطرق تستخدم للتعنيف ما لم تصل إلى حد الإيذاء جسديا ولفظيا. من حق الغرب أن يحمي الصغار من أي تعنيف يحدث لهم، لأنهم - وببساطة - لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، وهم في النهاية يتصرفون كما تعلموا من آبائهم من قصد أو من غير قصد.

الإرشاد الأسري لدينا تحول إلى مجال وعظي الكل يدلي بدلوه فيه، وهو مجال متخصص متشعب الأطراف، له خبراؤه ومستشاروه الذين لا نملكهم ولا تخرج جامعاتنا أمثالهم، حتى تلفزيوناتنا التي تمتلئ بكل شيء مضر للأطفال لا توجد بها برامج ترشد الأسرة كيف تتعامل مع أطفالها، على سبيل المثال البرنامج الأميركي الشهير "سوبر ناني" هو مدرسة بحد ذاتها لتثقيف الأسر كيف تتعامل مع أطفالها ونزقهم بتصوير دقيق لقطة بلقطة وقراءة ردة فعل الأطفال مع شرح مفصل للطريقة المثلى للتعامل معهم.

في التربية لا شيء يأتي جزافا، و"يكبرون ويعقلون" كذبة كذبناها لنبرر فشلنا وصدقناها، هناك مناهج علمية في التربية يمكن أن تبسط وتلقى إلى الأسر سواء على هيئة برامج أو مجلات متخصصة أو أعمال تلفزيونية.

الأطفال الذين يملؤون البيوت الآن ويتغذون بالمواد الكيماوية التي تملأ غذاءنا حاليا ويعيشون مع الأجهزة الإلكترونية أكثر مما يعيشون مع أهاليهم، ما جعل من أمر التربية مسألة عويصة لا تجدي معها نصائح الجدات. فيصبح الأطفال ضحايا اجتهادات منزلية لا تنجع في أغلب الأحوال.

تنشئة الأطفال تنشئة سليمة مسألة وطنية بحتة لا يمكن أن تترك للاجتهادات، وأستغرب أنه لا يوجد في المملكة جهاز يعنى بشؤون الطفل يهتم بالإحصائيات، بالتوجيه والتوعوية بدلاً من أن تترك الأمور لكل من هب ودب ينصح الأمهات المسكينات المستجيرات من الرمضاء بالنار.

من السهل التعامل مع الطفل في لحظاته الجميلة فيصبح تسلية من لا تسلية له، ولكن حينما يتعكر مزاجه وينقلب إلى مخلوق فظ مزعج لا نملك الأدوات للسيطرة عليه أو التفاهم معه.

نحتاج "سوبر ناني سعودية" تقود الطفل السعودي إلى حياة أفضل وتقود الأسرة السعودية إلى طريق أفضل في التعامل مع أطفالها.