أصبح الشباب في الوطن مشكلة يجب التعامل معها بالسرعة الممكنة، لسبب بسيط: أن الشباب أصبحوا يشكلون غالبية المجمع ولديهم آمال وآلام، وككل شباب العالم لهم تطلعات ومخاوف، كل ذلك في مجمله يشكل سلوك الشباب ويتحكم في ذلك السلوك، وبقدر التعامل مع تلك الآمال والآلام، وبقدر معرفة التطلعات والمخاوف بقدر ما نستطيع التحكم في سلوك الشباب ونوجهه. لكن لم يعد هناك وقت للاجتهادات، ولم تعد القرارات تبنى على آراء وتخمينات في اجتماعات، لأننا بهذه الطريقة التي تسمى Top Down لا نستطيع كشف حقيقة الشباب كاملة. الصحيح هو الانطلاق من القاعدة للقمة، أي ما اصطلح على تسميته Bottom Up وهذا يعنى أن نقوم برصد أفكار الشباب وميولهم وتطلعاتهم واحتياجاتهم وآمالهم، وفي المقابل رصد مخاوفهم وآلامهم، بهذا نستطلع واقعهم ونستشرف مستقبلهم، هنا بهذا فقط نستطيع أن نرسم السياسات ونعد الخطط ونقر البرنامج الزمني الذي يحقق لنا الأهداف التي نريد تحقيقها فيما يتعلق بقضايا الشباب.
وكل ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بعمل المرصد الذي يجب أن يبنى على أسس علمية عن طريق دراسات، وإذا حاولنا أن نحقق ذلك عن طريق اجتماعات فقط فإننا هنا سنلجأ للتخمينات والآراء التي وإن كان بعضها فيه شيء من الصدق إلا أنها لن تكون دقيقة، المرصد العلمي هو الحل، لم يعد الاجتهاد مجديا، الشباب فئات، مرحلة المراهقة بشقيها لها ميول ورغبات واحتياجات يعبرون عنها، بل قد لا تتوفر لهم تلك الاحتياجات ويستبدلونها ببدائل مضرة بل مهلكة، والشباب في هذه المرحلة لهم مشاكلهم ومعاناتهم، هل نعرف بالضبط تلك المشاكل والمعاناة؟ المرصد العلمي يحقق لنا ذلك، هؤلاء الشباب في تلك المراحل العمرية من المراهقة قد يتم اختطافهم فكريا بأساليب وطرق، من ضمنها العزف على احتياجاتهم المعنوية والمادية، هل نعرف كيف يتم اختطافهم؟ المرصد العلمي يحقق لنا ذلك. إذا ما انتقلنا إلى المراحل العليا من سن الشباب التي تمثل السن الجامعية وما بعدها فإننا نتحدث عن مشكلات مختلفة وميول شبابي مختلف وتوجهات مختلفة، اليوم ليس كالأمس، اليوم المسرح المجتمعي معقد، كله أسرار، الشاب جواله له شفرته لا يعرفها إلا هو، وإيميله له شفرة لا يعرفها إلا هو، وله برامجه التلفزيونية وأقرانه الذين لا نعرف من هم ولا أين يذهبون ولا ماذا يفعلون، ومن الصعب جدا أن ننفذ إلى أعماق أعماقهم بسهولة، المرصد العلمي يحقق لنا ذلك، ولا بد أنكم تتساءلون ماذا نعني بالمرصد العلمي؟
المرصد مشروع كبير، يُبنى على منهجية علمية وخطوات بحثية يتحقق على مراحل ويشارك فيه متخصصون وباحثون وشباب من العينة نفسها. نظن خطأ أن الحاجات الظاهرة للشباب مثل الوظيفة والسكن تمثل نهاية المطاف بالنسبة لهم. من الأعلى إلى الأسفل، نستطيع القول إن الشباب في المراحل المبكرة يحتاجون إلى برامج تشغل أوقات فراغهم، لكن ما نوعية تلك البرامج التي يمكن أن تجذبهم؟ لا أظننا نزعم أننا نعرفها بالضبط، بدليل تفضيل الشباب "التسكع" في المولات بدلا عن الحضور والمشاركة في كثير من البرامج التي تعد لهم في المدارس والأحياء والأندية، ونستطيع أن نقول إن الشباب في المراحل المتأخرة يحتاجون للوظيفة ويحتاجون للسكن ويحتاجون للزواج، هذه قراءتنا للشباب من الأعلى إلى الأسفل وهي قراءة مهمة لكنها لا تكفي، نحتاج إلى قراءة من الأسفل إلى الأعلى لتحقق لنا التعرف وبشكل علمي وبمستوى 360 درجة على حقيقة الشباب، رغباتهم ومخاوفهم، انتماءاتهم وتوجهاتهم وميولهم وحاجاتهم، عندها يمكن التحكم في كل ذلك ووضعهم في إطار المواطن الصالح المخلص لدينه ووطنه، الذي يحب وطنه ويدافع عنه ويشغل وقته في كل ما ينفعه. هذا لا يمكن أن يتحقق بالطرق التي تُعمل بها الآن برامج الشباب، لأنها تعد بطريق مجتزأة إلى النصف، النصف الآخر ناقص وهذا يجعل الصورة بالتالي ناقصة، المرصد العلمي يكمل الصورة ويجعلها واضحة، المرصد العلمي يمكننا من أن نكون قريبين من الشباب لنتعرف بالضبط عليهم من جميع الاتجاهات، المرصد العلمي بطرقه العلمية يقدم لنا بدلا من القصص الجميلة، شواهد وأدلة على حقيقة الشباب، وبناء على تلك الحقائق تُبنى الخطط والاستراتيجيات والبرامج التي توصلنا لأهدافنا المتعلقة بكل ما نريده من الشباب وبما نريد من الشباب.
لا يستطيع أحد كائن من كان أن يدحض أي معلومة يكشفها المرصد العلمي.. ببساطة لأنها موثقة بشواهد وأدلة وأمثلة، وخلاصة القول، إن أولى أولوياتنا اليوم يجب أن تكون الاهتمام بالشباب، والقصص الجميلة التي تقال في الاجتماعات لا تكشف حقيقة الشباب كاملة، إن رغبنا في الحصول على حقيقة الشباب كاملة فلا بد من تبني "المرصد العلمي" وفق منهج وطرق وأساليب البحث العلمي، هذا يكشف لنا حقيقة الشباب، لننطلق من هناك في رسم سياسات وخطط واستراتيجيات وبرامج للشباب.. هناك، وهناك فقط؛ سننجح.