أنا وجيلي ومن يكبرنا نرتبط ارتباطا حميما مع الورقة والقلم والكتاب، ونمقت الأجهزة وما يتبعها من تحديثات وبرامج وعوالم تقنية تسير بسرعة البرق نحو التطور وفي الاتجاه المعاكس للغة وأسسها.

فكلما ارتفع مستوى العلم بالتقنية، واستوعب الطالب الأجهزة كافة وما تحويها، كلما كان هذا على حساب أسس لغته. وأعني بها القراءة والكتابة والخط.

فلو نظرنا إلى الجيل الجديد في السنوات العشر الأخيرة، والمرتبط بالأجهزة، سنجده مخفقا في الأسس الثلاثة السابق ذكرها، أو على الأقل واحدة منها.

المد التقني كأي مد آخر له منافعه وأضراره، وأجد أن الضرر بنسبة أعلى من النفع في مجال مهنية ا?طفال قراءة وكتابة، سيما ونحن نسعى إلى الأشياء الأكثر راحة. فكيف تتحول أغلب المناهج لتصبح تقنية ويهجر الكتاب والقلم والورقة فيتحول الطالب تدريجيا إلى تقني؟ رافضا أي ارتباط بالورقة والقلم!

هذا جانب لا يقل أهمية عن ا?خر، وهو اعتياد "بعض" المعلمين والمعلمات على الدخول إلى قاعة الدرس حاملين أجهزة الجوال أو أي جهاز تقني قد يجعل التركيز أقل أثناء الشرح، وقد يؤدي إلى الاختصار، مما يقلل حجم الأداء ويضعف اللغة، بل ويتدنى التحصيل العلمي.

ولو وضعنا مقارنة بين جيلين لوجدنا الفرق واضحا وجليا، ووجدنا الجيل الحالي أقل تحصيلا، وذا لغة ركيكة مغتالة الأسس ضحلة. حرب الأجهزة أصبحت قائمة في كل منزل وكل مؤسسة تعليمية، والمنتصر فيها من يجعل الحظوة للكتاب والقلم، ولا بأس من التطوير والارتقاء، لكن في توازن وعدم تغييب جانب على حساب ا?خر.

يحزنني كثيرا أن أجد ابن اللغة لا يجيد قراءة نص عربي، ولا يكمل سطرا دونما أخطاء، وبخط مشوه لا فن فيه، بينما تراه يحتضن الجهاز ويتنقل بين البرامج والتحديثات متقنا كل ما يمر به، ملما بكل شاردة وواردة في ذلك الجهاز.

إلى معالي وزير التعليم: لا بأس أن نبحث عن التطوير في المناهج حتى أصبحت إلكترونية، ولا بأس أن نتمنى أن نخرج جيلا عبقريا، لكن: لنتشبث بجذور العلم، ونعيد حساباتنا. ما الفائدة في أن يصبح جل المتخرجين غدا عباقرة يجيدون كل العلوم ولكنهم بعيدون عن لغتهم؟

لغتنا هي مصدر الاعتزاز والفخر والعلم، كما أن لكل أمة على هذه الأرض مصدر اعتزازها وفخرها، وأبناؤنا هم عماد المستقبل القويم، ونواة ا?بداع، فلا بد أن تكون هذه النواة صالحة للتأهيل والتعليم بشكل صحيح، وإذ إن الجيل لا يعي مشكلته وأهمية اللغة، ويرى أن التقنية هي سلم التطوير الناجح، فعلينا إعادة تأهيل الطلاب وتأسيسهم تأسيسا صحيحا. وهذه مهمة مشتركة بين المعلم والوالدين تكون في تكثيف برامج الكتابة والقراءة. فالبقاء للغة، والهوية الحقيقية للعربي هي لغته الفصيحة.