• "كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" هكذا جمع النّفري كل تعبه وغيظه من عجز الكلام عن قول ما تعمّقه الحياة فينا. كأنه جمع تعب حياته كاملاً ورماه في هذه الجملة التي صارت بعده اختصاراً حقيقياً لقصتنا مع الكلام، وأكاد أقطع أن الإنسان منذ القدم لم يبتكر كل آلات الموسيقى، ولم يبدع كل هذه الألحان والأغنيات إلا ليتجاوز هذه الإعاقة الشنيعة، كي لا ينال من قلبه وحياته عجزه عن العبارة!.
• لكن الذين جاؤوا بالغناء والموسيقى إلى العالم لم يتوقعوا حجم الهدية التي منحوها إياه، وأيضاً لم يتخيلوا أبداً هذا المدى من الألم الذي فتحوه على مصراعيه في وجوهنا.. لأن الأغنيات لا تسمح للوجع بأن ينسى، لأنها تعيده كما لو أنه للتو حدث كلما سمعناها. كل هذا التاريخ من الآلات والأصوات.. لمداراة عجزنا عن قول ما نريد حين تنال الأيام منا فوق ما نطيق الكلام عنه. ولا أدري أيهما حاولنا نحن بني الإنسان أن نفعل أولاً، هل غنينا قبل أن نكتب، أم كتبنا قبل أن نغني؟ أظننا تكلمنا، ثم غنينا، ولم نكتب إلا بعد أن مرّ وقتٌ طويل جداً على الكلام والغناء، وحتى حين كتبنا بقينا في عجزنا، وفي تمام حاجتنا للغناء. لقد عرفنا أننا في هذا المشوار الضخم من الكلام إلى الغناء إلى الكتابة، أننا ما كنا نفعل شيئاً غير أن نداري غموض هذا الوجود وقسوة هذه الحياة.. مرةً كتب واسيني الأعرج: "نعم نكتب لأننا نريد من الجرح أن يظلّ حياً ومفتوحاً، نكتب لأن الكائن الذي نحبه ترك العتبة وخرج، ونحن لم نقل له كل ما كنا نشتهي قوله".
http://www youtube .com/watch? v= LYKMYUtfFJs
• حسّ: رويدا عطية، هذه الفتاة التي لا أدري من أي غيبٍ مرّ جاءت إلى هذا الزمن النهم، زمن السلع والشراهة. حين غنّت مرةً الأغنية الشهيرة "زي العسل" غنتها كما لم يفعل أحد من قبلها، بمن فيهم "صباح" نفسها، هذا أقل العدالة معها. رويدا لو أنها جاءت في زمنٍ سابق لكان صوتها وأداء حنجرتها شيئاً مما يخدر وجع الناس في مواجهة هذا الألم المجهول، الألم الكوني الضخم واللانهائي، لكن أناساً خلقوا قليلي البخت من أصلهم. لقد كان من الإنصاف لحسها وصوتها أن تغني لبليغ حمدي ورياض السنباطي ومحمد الموجي.. إلخ، لكن هؤلاء ذهبوا، ذهب ما ينفع الناس في الأرض، ولم يبق سوى الزبد!.