أبو زيد السروجي الخطيب والواعظ المحتال الذي جعل من الوعظ أحبولة يحتال بها على الناس لابتزاز أموالهم، هو بطل العمل الأدبي الساخر والفكاهي (مقامات الحريري) الذي يعد أحد روائع الأدب العربي في أدب المقامات.
شخصية ساحرة قادرة على التشكل وتجيد التخفي، يتقمص كل ثوب، ويلبس كل لباس في سبيل تحقيق غاياته ومآربه، تارة تجده في مجالس الذكر يذكر الناس بيوم الحساب، وتارة تجده في أندية الشعر والأدب وقد صار أديبا فذا، معتمدا على حسن الكلام لسرقة ألباب الناس، متقمصا دور كل من الذين دارت عليهم الدوائر وانقلب حالهم إلى السؤال، فلا يزال يذم الزمان وتقلب الدهر والأحوال.
ويقال إن "أبو زيد" قد أعلن توبته فيما بعد، والأكيد أن تلاميذه وأنصاره ما يزالون يعيشون بيننا في واقعنا المعاصر بلا توبة، وأخص بالذكر واقعنا الرياضي ما جعل الناس تنفر من الأوساط الرياضية وتحذر من الاقتراب منها.
ففي وسطنا الرياضي تجد "أبو زيد" حولك في كل مكان ممثلا كل الأدوار، فهو يجيد لعب أدوار الإنسان الذئب والإنسان الثعلب والإنسان النسر، فقد كان صديقا للرئيس القديم واليوم هو صديق الرئيس الجديد، وفن إيقاع الرؤساء في حبائله لعبته المتقنة التي يجيد حياكتها ونسج خيوطها بكل اقتدار.
فجأة دخل عالم الرياضة بقفزة بهلوان، يجيد فن المساومة ولا رأي له ولا قيم رياضية عليا يرجع إليها، مصلحته الشخصية هي المرجعية النهائية له، وفي سبيلها لن يجد غضاضة في لبس أي قناع يواري به سوءاته حتى يسهل عليه خديعة كل من حوله.
كان يداهن الرئيس القديم برقائق من المدائح التي تستلذ بها النفوس وتشبع الغرور، واليوم ها هو يقف في صف الرئيس الجديد ويمطر من سبقوه بوابل من الشتائم المقذعة ويحملهم مسؤولية الأحوال المايلة التي وقع فيها نادينا المسكين.
لا أحد يعلم هل هو (مفترى عليه) أم (مفتري علينا)، فهو شخصية تتشكل وتتخفى بصورة مذهلة، والأهم أنه شخصية جدلية، فقد نجح في بلوغ مرامه وهذا نجاح بحد ذاته، والسبب الرئيس لنجاحه هو اتباعه خطة محكمة في التنكيل بخصومه، فبدلا من اتباع أسلوب الهجوم المباشر كان يهاجم خصمه بطريقة تستميل عطف الجمهور عليه، حيث لا يمانع بالتضحية بأصدقائه ووضعهم في مواجهة المدفع، والظهور في نهاية المسرحية بمظهر مليء بالبؤس والمسكنة والطيبة في حين استقبل أنصاره سيلا من اللعنات والشتائم.
بفضله صارت الناس تنفر من الوسط الرياضي، فهل عرفتموه؟ بالطبع لا، لأن مقدرته الرهيبة على التشكل والتخفي تفوق مقدرتنا على الاستنتاج، إنه صديق الرئيس السابق وصديق الرئيس الحالي، وبلا أدنى شك سيكون صديقا للرئيس القادم.