كثير من قادة العالم ورؤسائه شاء لهم حظهم أن يأتوا إلى كرسي الرئاسة، ولكن قلة منهم من وصلوا إلى القمة بعد أن تنقلوا في مستويات الحكم ودرجاته كافة، واكتسبوا من الخبرات ما لا يمكن جمعه بين عشية وضحاها، وتعرفوا على آلية الحكم بدقة تامة، وأصبحوا قادرين على اتخاذ القرار الصائب بمنتهى الحكمة، وفي مقدمة هؤلاء الملك سلمان بن عبدالعزيز. فقد أخذ من ملكات القيادة ما لا يمكن حصره بسهولة، وتمتع بموهبة جمع الأضداد وتناغمها في سلاسة منقطعة النظير، ففي هدوئه حكمة، وفي صمته كلام، وفي سكوته حديث. جمع اللين في مواقعه، والحزم في أوقاته، مثقف يقارع العلماء، وبسيط يجالس الفقراء وأنصاف المتعلمين.
اهتم بالثقافة وقدم لها الكثير وبسط يديه بالمساعدات لكل مشروع ثقافي، أولى التاريخ عنايته الخاصة وشجع الباحثين على الغوص في تاريخ الجزيرة العربية واستخراج درره وكنوزه، لقناعته أن من لا يدرك عراقة ماضيه لن يكون بإمكانه تشكيل حاضر مشرق ومستقبل زاهر.
عاصر كل إخوانه الملوك، وكان مقربا منهم، واختص بعمادة العائلة المالكة، وصون أسرارها، فأكسبه القرب من أسلافه الملوك خبرة فريدة، وساعده على ذلك تنقله في مناصب عدة، فقد شغل منصب أمير الرياض لنصف قرن من الزمان، أحال فيه العاصمة السعودية من بلدة صغيرة تحيطها الأسوار، إلى إحدى أجمل العواصم في المنطقة، وأكثرها تأثيرا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم أجمع. كما تولى وزارة الدفاع وحقق فيها نجاحات لافتة.
اهتم بالعمل الخيري وأولاه جل عنايته، وأنفق من ماله ووقته الشيء الكثير، ليرسم بسمة على ثغر محروم، ويمسح دمعة من خد طفل يتيم. لم يكتف بالعمل من خلال الجمعيات، بل يؤكد من شاء لهم حظهم الطيب أن يكونوا قريبين منه، أن ممثلين له يجوبون أنحاء المملكة، بحثا عن الفقراء والمحرومين.
سلمان ليس مجرد حاكم، إنما هو فكرة وأمل، فكرة تتجاوز الواقع، وتسعى إلى تطويع الزمان، لا ترضخ لقيود الصعوبات، وأغلال المستحيل. وهو أمل لأنه ارتضى لنفسه أن يكون نصيرا للمحرومين، وعضدا لكل أبناء الوطن، يخاطبهم في بساطة محببة، دون تكلف أو تصنع، فتصبح كلماته نافذة كالضوء، تدخل القلب بدون استئذان.