عندما كتب جوزيف حرب نصه الغنائي الدافئ للسيدة فيروز:

"حبّيتك تانسيت النوم

يا خوفي تنساني

حابسني برّات النوم

وتاركني سهرانه"

كان في خط أعلى من أعلى خط وصلت فيه الكلمة الغنائية من جهة، والذائقة الجماهيرية من جهة ثانية، كان أعلى بكثير.

كان أعلى قليلاً، لأن الصورة الشعرية، في قوله:

"حبّيتك تانسيت النوم

ياخوفي تنساني"

هي صورة مُلتقطة بعدسة شعريّة عاديّة، خلاصتها: امرأة تقول لمحبوبها إني لم أنسك، وأخاف أن تنساني، ولكنها "أعلى كثيراً"، في الصورة الشعرية الغنائية، الأعلى من الكلمة الغنائية آنذاك، وأعلى من الذائقة في قوله:

"حابسني برّات النوم"، ذلك أن الحبس كما هو معروف، لا يكون إلا للداخل، وفي الداخل، فلم نسمع عن محبوس خارج سجن، وهذه الصورة الشعرية المذهلة هي أعلى مستوى في الشعريّة الغنائية سمعته في نص غنائي، وهذا الحبس برّات النوم هو أول حبس للخارج في التاريخ.

دقّقوا: إنها مسجونة برّا، دقّقوا أكثر: هذا النص الغنائي محبوس "برّات" سجن الأغنية العربيّة التافهة.

هذا النموذج الثريّ والعميق للكلمة الغنائية غائب بشكل واضح في كل سوق الأغاني العربية المُبتذلة الآن، وأغنية فيروز هذه من المفترض أن تكون درسا قاسيا لكل ما نسمعه الآن من أغان لا خلق فيها ولا إبداع ولا ابتكار ولا عمق.