أعداد الداخلين الصف الأول الابتدائي تتضاعف وأعداد خريجي الثانوية تزداد وأعداد المتخرجين من الجامعات والقادمين من الخارج في برنامج خادم الحرمين الشريفين في زيادة مطردة، وبناء عليه نلحظ أن الباحثين عن العمل أو لنقل أن العاطلين أو بعبارة أوضح البطالة تتفاقم.. ونسأل: ما هي أسباب ذلك التفاقم؟ أزعم أن هناك سببين لا ثالث لهما.
الأول: عدم مساهمة القطاع الخاص بالمستوى المطلوب في التدريب والتوظيف. والسبب الثاني أننا لم نرَ دراسة علمية تحدد بالضبط مجالات العمل لدينا ثم يبنى عليها خطط تدريبية عاجلة لمن هم على رأس العمل، وتعليمية آجلة لتوجيه الدارسين في المعاهد والجامعات لتلك المجالات.. وهذا السبب الثاني يحتاج جهودا كبيرة لتغيير مسارات الدراسة في المعاهد والجامعات وفق تلك المجالات.. هذا عمل ضخم يتطلب جهودا كبيرة.. وتلك الدراسة لا بد أن تجيب عن هذه الأسئلة: ما هي المجالات التي يطلبها سوق العمل؟ كم نسبة الوظائف التي يطلبها كل مجال؟ فالمجالات التي كنا نحتاجها قبل خمس أو ست سنوات قد لا نحتاجها الآن.
الدول والمؤسسات والأعمال الضاربة أطنابها في النجاح تعتمد على البحث العلمي في سياساتها وخططها وبرامجها وقراراتها.. ولهذا لا بد من الاستمرار في دراسة السوق واحتياجاته، وإذا عرفنا هذه المجالات بشكل علمي وبنسبة احتياج كل مجال من الواجب أن تحدد بالضبط المهارات التي يحتاجها، وإذا عرفنا تلك المهارات لا بد أن نخطط ونبني مناهج تدرس تلك المهارات على المديين "القريب والبعيد"، ولا بد أن نعرف أنه بتبدل المجالات تتبدل المهارات ولهذا كانت أهمية استمرارية دراسة السوق للتعرف على المجال الذي انتهت الحاجة له أو نسبة الاحتياج إليه.
هناك تقرير مهم صدر أخيراً في الولايات المتحدة الأميركية يؤكد أن الحاجة الآن أصبحت ماسة لما أسموه "المهارات العليا" التي تطلبتها المهن والمنتجات التي فرضها العصر الرقمي، ولهذا تم اتخاذ قرار فوري بتجديد تلك المهارات وفقا للمجالات الجديدة، وتم تكليف الكليات في خطة عاجلة باستدعاء جميع العاملين في المصانع وسوق العمل للتدريب على تلك المهارات، وطلب من الجامعات في خطة آجلة تغيير مناهجها وتخطيط وبناء مناهج جديدة تدرس "المهارات العليا" التي تتماشى مع سوق عمل العصر الرقمي، هكذا تنجح الأمم والدول والشعوب لأنها تستجيب بشكل عاجل لمتطلبات العصر ولا تتخلف عنه، وهنا نسأل سؤالا كبيرا آخر: كم عدد المتقدمين للوظائف في حافز؟ وكم عدد الوظائف المتوفرة لهم فعلا؟، وسؤالا كبيرا آخر: كم عدد العاملين من المقيمين في بلادنا الذين يحتلون وظائف يوجد مواطنون مؤهلون للعمل فيها؟ وماذا عملنا حيال ذلك، هذه أسئلة يجب الإجابة عنها لأن في الإجابة الحلول لمشكلة البطالة المتفشية في بلادنا وما ينتج عنها من مشاكل وجرائم وعنوسة وخلاف ذلك مما لا يخفى علينا جميعا.
كثرت لدينا أدبيات الحلول، وكثر لدينا الكلام والقصص الجميلة إلا أن الواقع يقول شيئا مختلفا، أنا كأكاديمي لا أستطيع أن أورد نسبا لمشكلة البطالة لأنني لا أملكها، لكنني أستطيع أن أقول إن الناس لا زالوا يتحدثون عن صعوبة الحصول على الوظائف، وهذا غريب مع ما نسمعه من مبادرات وحلول، لكن أين النتائج؟
نريد أرقاما لمعرفة كم ساهم "حافز" و"نطاقات" وغيرهما من البرامج التي طرحت في سوق العمل؟ في الدولة المتقدمة يصدر تقرير شهري بعدد الوظائف التي أضافها اقتصاد البلاد ونسبة البطالة بعد إضافة تلك الوظائف، والسؤال هنا لماذا لا نفعل الشيء نفسه؟ ولماذا لا نفرغ سوق العمل من المقيمين الذين يحتلون وظائف يمكن تعيين مواطنين فيها؟ ما هي العوائق؟ هل هناك ضغوط على وزير العمل لعدم المبادرة في ذلك؟ وما هي تلك الضغوط؟ إذا أحسنا النية سنقول إن تلك الضغوط تتمثل في عدم تفريغ سوق العمل من كوادر أجنبية مدربة وإحلال كوادر وطنية غير مدربة، لكن يمكن حل هذه الإشكالية بتدريب الباحثين عن وظائف على تلك المهارات التي يتميز بها أولئك المقيمون، وعمل برنامج إحلال مدته خمس سنوات لتأخذ وزارة العمل راحتها بالتنسيق مع مؤسسات التدريب والتعليم في مديين "عاجل وآجل" للإحلال، هل شيء من هذا قائم؟ لا نعلم..
الذي أظنه أنه لا توجد متابعة لتطور سوق العمل لمعرفة المجالات التي يحتاجها بشكل علمي، وبنسب محددة، نحن لا نحتاج اختراع العجلة، كل ما هو مطلوب أن نفعل كما يفعل المتميزون، اتباعا للحكمة التي تقول: "إذا أردت التميز فاعمل مع المتميزين"، وشيء آخر نريد أن نعرف نسبة الذين يتم توظيفهم وانسحابهم عن طريق "طاقات" و"حافز" و"نطاقات" وأخواتها من البرامج. لا بد من معرفة ذلك لأن المشكلة تكمن في مكان لم يتم التعرف عليه، وهذا يضيف عبئا على الحلول التي يتم تبنيها للقضاء على البطالة.
وخلاصة القول أن لدينا مشكلتين: الأولى، وجود مقيمين على وظائف يمكن إحلال مواطنين عليها ولم يتم ذلك، والمشكلة الثانية أن من يتم توظيفهم عن طريق برامج وزارة العمل يتم انسحاب البعض الذي لا نعرف نسبته ونعرف أسبابه حتى تتم المعالجة، ونتأكد أن من يتم توظيفه لن ينسحب ونضعه وراءنا كمشكلة تم حلها جذريا ولا تعود إلينا من باب آخر.