ربما قد يبدو المشهد الثقافي السعودي، غير مقنع لشريحة من المشتغلين في الشأن الثقافي، وتلك مسألة لها ما يبررها من حيث استحضار (طوباوية) المثقف وأحلامه التي لا تعترف بسقف في عالم الكمال.
لكن موضوعيا لا يمكن إغفال الحراك الذي شهده المشهد الثقافي منذ البيعة، هذا الحراك الذي قد يعده بعض المراقبين انعكاسا طبيعيا لمتغيرات كونية كبرى في ظل تنامي العولمة وسطوة وسائط الميديا الحديثة. ناهيك عن التحدي الفكري الكبير الذي ظلت تواجهه المملكة العربية السعودية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ما استدعى مراجعة شاملة للواقع الثقافي، بأمل منح الجبهة الثقافية / الفنية دورا فعالا في إعادة رسم الواقع بما تقتضيه منطقيات العصر.
ويكاد الحراك الثقافي السعودي يتحرك عبر المؤسسات الثقافية الرسمية التي تنضوي تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام كجهة إشرافية، وتبرز الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون بفروعها الـ14 في مدن ومحافظات المملكة في المقدمة، إضافة إلى النشاط الرسمي الآخر الذي تمارسه الأكاديميات التعليمية.
وكان لافتا أيضا الانفتاح الذي شهده سوق الكتاب، واعتلاء معرض الرياض الدولي للكتاب صدارة المشهد تسويقيا على مستوى العالم العربي، وهذا كله يرجعه البعض للرؤية السليمة التي تتجانس مع واقع العصر واستحقاقاته فيما يتعلق بآليات الرقابة وتوجهاتها.
وعلى هامش هذا النشاط الرسمي، برز النشاط الثقافي الأهلي الذي تقيمه النخب في منازلها، مثل الصالونات الثقافية في معظم المدن وبشكل خاص في المنطقة الشرقية التي تكاد تكون في المقدمة من حيث الكم والدأب.
ولا يمكن للمراقبين أن يتجاهلوا الدعوات الكثيرة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين لترسيخ وتعزيز ثقافة الحوار، أحد أهم شروط إزالة الاحتقان والتشنج في المجتمعات، وتهيئة هذه المجتمعات للتعاطي مع الآخر من داخل أطر محبة ومتسامحة.
ومن هنا تجئ تجربة "الحوار الوطني" مفصلا مهما في هذا السياق رغم ارتفاع أصوات في السنتين الأخيرتين دعت إلى ضرورة مراجعة تجربة الحوار الوطني حتى يكتسب حيوية ويتجدد ويكون أكثر فعالية لتحقيق أهدافه العليا من أجل مصلحة الوطن.
ومن أجل وطن معطاء وجميل، دخل المشهد الثقافي في مواجهة التطرف والتشدد، وتباينت أدوار ومواقف الأندية الأدبية في هذه المواجهة، بحسب ما أقرته من برامج ونشاطات قد لا تروق للفكر المتشدد وهو احتقان يذهب كثير من المراقبين إلى أنه يعبر عن موقف مأزوم يمكن السيطرة عليه بمزيد من الحوار، إذ لا سيبل للخروج من نفق الشحن وتبادل الاتهامات إلا بتكثيف مزيد من جرعات الحوار الحر والنزيه والموضوعي.
فالتطور الاجتماعي الذي مرت به المملكة وما صاحبه من تحول في القيم الثقافية أثر بالضرورة في الوعي العام لقيم العمل والإحساس بالمسؤولية. أي أن العامل الثقافي كان له تأثيره العميق ولكنه بصورة أو بأخرى يبدو مغيبا في أي نقاش يحاول تفكيك المسألة.
وهو ما يذهب إليه كثير من المراقبين الذين ينظرون للمسألة برؤية تحليلية فيها من العمق ما يتسق مع ما تقوم عليه الأبعاد الثقافية لأيما منشط إنساني، سواء كان اقتصاديا أو اجتماعيا. وإذا كانت هناك بوادر لقدر من الانفتاح، وتبني نشاطات ثقافية مختلفة في نوعيتها، وحظيت بدعم رسمي مثل عودة مهرجان المسرح السعودي بعد توقف سنوات، وإقامة مهرجان للمسرح في مكة المكرمة، وإحياء سوق عكاظ، وإقامة مهرجان للأفلام وإطلاق ناد للسينما في المنطقة الشرقية، وحضور المرأة ومشاركتها بفعالية في صنع المشهد الثقافي، يبقى الدور الفاعل الذي يمكن أن تمارسه الرساميل من أجل تنمية ثقافية غيبت تماما من أجندة رجال المال والأعمال على مدى سنوات طويلة كتشييد دور ثقافية من مسارح وورش إبداعية ورعاية مهرجانات وبرامج ثقافية حقيقية، مرورا برعاية ودعم أبحاث العلماء والمفكرين والباحثين وحتى الأدباء والكتاب الذين، بالتأكيد يضيفون بجهودهم وأفكارهم لبنة في جدار بناء الوطن لو تهيأت لهم الإمكانات.
فالذي ظهر هو حاجة المشهد الثقافي لبنية تحتية منتشرة في كل المدن والمحافظات، ما يكفل تحركا انسيابيا طيعا ومرنا للمثقفين والمبدعين والفنانين. إذ لا يمكن للوطن أن يشرق دون أن تكون للأجنحة الثقافية قدرة على التحليق بثقة وجمال ورعاية لم يعدمها كثيرا، إلى جانب بقية الأجنحة الاقتصادية والاجتماعية والعلمية.
وجاء دخول بعض المثقفات في مجالس إدارات الأندية الأدبية عبر الانتخاب ليحقق طموحا ظل يراود المثقفات لعدة سنوات، وسجلت المرأة حضورا في الدخول إلى عضوية مجالس الأندية الأدبية، واعتبر المراقبون أن فوز مثقفات في عضوية مجالس الأندية الأدبية له دلالات كثيرة، وهو إقرار الرجل بقدرات المرأة وبكفاءتها.
ورأت عضو مجلس إدارة أدبي مكة المنتخب، أول امرأة تسجل اسمها في تاريخ عضوية مجالس الأندية الأدبية، أمل القثامي، أن المرأة قادرة منذ الخليقة الأولى على تحقيق تطلعاتها وتطلعات المجتمع رجلا كان أم امرأة، فهي قادرة على تسيير وتسييس الأمور الإدارية وغيرها، ونحن في زمن منفتح، المرأة نالت فيه حظا وافرا من التعليم والثقافة وممارسة العمل الإداري في مجالات متنوعة، مما يسمح لها بكل قوة أن تحقق طموحها وتطلعات غيرها بها، والفرصة التي أتاحتها وزارة الثقافة والإعلام للمرأة عن طريق الانتخابات في مجالس إدارة النادي كفيلة بإظهار ذلك.
وحول فوزها في الانتخابات، ترى أمل أن ذلك كان مستحقا من واقع أن المرأة كانت حاضرة في النادي قبل أن تسن الوزارة (كرسيا) لها في مجلس إدارة النادي، وحضورها كان مؤهلا لها كي تعرف، ومن ثم تنتخب.