ربما أبدو متأخراً فيما أريد الحديث عنه، ولكني أعتقد أن التاريخ الفني لتلك الشخصية التي أنا بصدد الحديث عنها الذي امتد لعقود عدة من الزمن ربما فاق الخمسين عاما، يتيح الكتابة عنها لوقت ليس بالقصير.

كنت أدرك أنني عند التصدي للحديث عن فنانة بقامة وقيمة "فاتن حمامة" سيحار قلمي ويتشتت ذهني، خاصة وأنه قد سبقتني أقلام كثيرة في الأسابيع الماضية قالت ما يكفي ويفيض، إذن فمن أين أبدأ؟

لا شك أنني أمام تاريخ فني كبير طال الجزء الأكبر منه الزمن الجميل الذي أصبحنا نتغنى على أطلاله بين الحين والآخر، فما أن نستيقظ في زماننا هذا على الأفلام التي جسدت العنف والمخدرات والبلطجة حتى نجد أنفسنا مجبرين على العودة إلى الأفلام التي نقشت في ذاكرتنا أجمل معاني الرومانسية، بل وشكلت وجدان غالبية من عاصروا هذا الفن الراقي الخالي من الابتذال.

وفاتن حمامة من أبرز رموز هذا العصر الجميل، فهي رمز البراءة والعذوبة، وصاحبة الصوت الأنيق، لما تملكه من كاريزما نادرة جعلت منها علامة فارقة، إلى أن أصبحت قطبا من أقطاب السينما، وأسهمت في تسطير تاريخ مصر السينمائي. فالراحلة فاتن كانت تمثل إحدى أدوات القوى الناعمة في عالم الفن من خلال ما قدمته من رصيد يسمح لها أن تتربع على عرش السينما، متوجة بلقب بسيدة الشاشة.

الفن رسالة.. جسدتها "فاتن" من خلال تناولها قضايا عدة طرحتها بقوة، لم تبحث من خلالها عن نجومية، بل كان هدفها هو خدمة مجتمعها، فلو استعرضنا أحد هذه الأعمال على سبيل المثال، فيلم (أريد حلاً) الذي أحدث حالة من الجدل حول قضية بالغة الحساسية وهي طلاق المرأة، إذ ناقش الفيلم حق المرأة في طلب الطلاق، بل ذهب إلى أبعد من ذلك في تعريته قانون الأحوال الشخصية الذي أجحف كثيرا بحق المرأة. أعمال الراحلة فاتن أثبتت بشكل واضح أن الفن مرآة للمجتمع، وكذلك سفير له.

وهنا تستحضرني قصة طريفة حدثت مع الرئيس الراحل عبدالناصر في المغرب عندما فوجئ بمواطن مغربي خرج لتحيته، وعندما سمح له بمصافحته همس له قائلا: "سيدي الرئيس هل يمكن أن توصل سلامي إلى الفنان إسماعيل ياسين"، وهنا استوعب عبدالناصر الرسالة جيدا وأدرك أن الفن قوة ناعمة ومؤثرة تستطيع أن تغزو العقول وتعبر الحدود.

وها هو أيضا الرئيس عبدالفتاح السيسي يؤكد على هذا المعنى عندما طالب يسرا وأحمد السقا، أثناء الاحتفال بعيد الشرطة، بتقديم فن يعبر عن هموم المواطن ومشاكله ويعيد صياغة وعيه بصناعة أفلام هادفة ذات مضمون.