لا يكاد يخلو بيت سعودي إلا ويشعر أهله بألم الفقد، بعد رحيل ملك توج القلوب بحبه، وتوجه شعبه بالولاء.

رحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، بعد أن حفلت مسيرته بالعطاء الذي امتد إلى كل أرجاء الوطن، وفاض حتى بلغ مختلف بقاع العالم، مناصرا للضعفاء، وداعما للمنكوبين، ومتبرعا للمحتاجين.


مسيرة عطاء

ولد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، في مدينة الرياض عام 1931 في عصر كل ما فيه يفرض على الإنسان الصبر والاحتمال وكان من نتيجة ذلك أن كان للانضباط الديني والنفسي والأخلاقي دوره في تكوين شخصيته، حضورا وتأثيرا وتفاعلا، ورؤية ثاقبة تفرض قناعتها بالمنطق والعقل سلوكا وتعاملا، قولا وفعلا.

والده هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، موحد ومؤسس الدولة السعودية الثالثة، أما خؤولته فمن رؤساء عشائر شمر، فجده لوالدته هو العاصي بن كليب بن حمدان بن شريم فارس نجيب من فرسان العرب وأحد شيوخ عبدة من قبائل شمر، وكذلك كان خاله مطني بن العاصي بن شريم.


تعليمه وثقافته

نهل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، من مدرسة والده ومعلمه الأول الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، وتجاربه في مجالات الحكم والسياسة والإدارة والقيادة، إلى جانب ملازمته لكبار العلماء والمفكرين الذين عملوا على تنمية قدراته بالتوجيه والتعليم أيام صغره، لذلك كان حريصا دائما على التقاء العلماء والمفكرين وأهل الحل والعقد، سواء من داخل المملكة أو خارجها.

عاش الملك عبدالله بن عبدالعزيز حياته في كنف والده الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود فعلقت في ذهنه أحداث تلك المرحلة التاريخية وهي مرحلة كانت مشحونة بالصراعات القبلية والفكرية في شبه الجزيرة العربية، إلى جانب التطورات السياسية في الوطن العربي وفب العالم أجمع إبان الحربين العالميتين.





أهم مسؤولياته

في عام 1962 تسلم الأمير عبدالله بن عبدالعزيز رئاسة الحرس الوطني الذي كان يضم في مطلع تكوينه آنذاك أبناء الرجال الذين عملوا وأسهموا مع قائدهم الملك عبدالعزيز فى توحيد وبناء المملكة العربية السعودية، وكان لتحمل مسؤولية هذه المؤسسة العسكرية دورها الفعال في تطويرها وتحديثها، وفى عام 1975 أصبح نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني. وفى 13 يونيو 1982 بويع وليا للعهد من قبل أفراد الأسرة المالكة والعلماء ووجهاء البلاد وعامة الشعب السعودي، وفي مساء ذات اليوم صدر أمر ملكي بتعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء ورئيسا للحرس الوطني إضافة إلى ولاية العهد.

وقد أولى الملك عبدالله بن عبدالعزيز العلم والثقافة في المملكة العربية السعودية اهتماما واضحا، فكان من نتاج ذلك أن أسس مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض، كما أسس شقيقتها الأخرى في الدار البيضاء بالمملكة المغربية الشقيقة، وأنشأ في عام 1405 المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي يقام سنويا في الجنادرية ويستقطب العلماء والأدباء والشعراء والمفكرين من العالم.


أبرز الإنجازات

شهدت المملكة العربية السعودية منذ مبايعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، في 26 / 6 / 1426 كثيرا من المنجزات التنموية العملاقة على امتداد مساحتها الشاسعة في مختلف القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة، تشكل في مجملها إنجازات جليلة تميزت بالشمولية والتكامل في بناء الوطن وتنميته مما يضعها في رقم جديد في خارطة دول العالم المتقدمة، فقد تجاوزت في مجال التنمية السقف المعتمد لإنجاز كثير من الأهداف التنموية التي حددها إعلان الألفية للأمم المتحدة عام 2000، وتحقق لشعب المملكة العربية السعودية في عهده رحمه الله كثير من الإنجازات المهمة، منها تضاعف أعداد جامعات المملكة من ثماني جامعات إلى أكثر من 20 جامعة وافتتاح الكليات والمعاهد التقنية والصحية وكليات تعليم البنات، وإنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وعدد من المدن الاقتصادية منها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل ومدينة جازان الاقتصادية ومدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة إلى جانب مركز الملك عبدالله المالي بمدينة الرياض، وخطت مسيرة التعليم خطوات متسارعة إلى الأمام حيث وجهت المملكة نسبة كبيرة من عائداتها لتطوير الخدمات ومنها تطوير قطاع التعليم ولم تقف معطياته، رحمه الله، عند ما تم تحقيقه من منجزات تعليمية، بل واصل العمل على مسيرة التنمية.

 


اهتمامه بالتعليم

وعاشت المملكة في عهده الميمون، رحمه الله، نهضة تعليمية شاملة ومباركة توجت بـ21 جامعة حكومية وأربع جامعات أهلية تضم 19 كلية جامعية أهلية موزعة على جغرافيا لتغطي حاجات المملكة وبلغ عدد طلبتها نحو مليون طالب، إضافة إلى آلاف المدارس للبنين والبنات، وإنشاء كثير من المعاهد والمراكز في بعض الجامعات لأبحاث التقنيات متناهية الصغر النانو.

وتمثل رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، لمؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع ورئاسته مجلس أمنائها مرحلة جديدة من مراحل التعليم في وطننا، واستجابة طبيعية للتحولات النوعية الماثلة في مجال تحديث البرامج التربوية والتعليمية.

وفي الإطار نفسه أقر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها في 24 محرم 1428 مشروع الملك عبدلله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام الذي يعد نقله نوعية في مسيرة التعليم في المملكة العربية السعودية، وهو المشروع النوعي الذي يصب في خدمة التعليم وتطوره في المملكة لبناء إنسان متكامل من جميع النواحي الاجتماعية والنفسية.

ويتضمن المشروع بكلفته التي تتجاوز تسعى مليارات ريال برامج لتطوير المناهج التعليمية وإعادة تأهيل المعلمين والمعلمات وتحسين البيئة التربوية وبرنامج للنشاط اللاصفي، وكان حريصا يرحمه الله، على استكمال مختلف المشاريع التي تسهل وتيسر على حجاج بيت الله الحرام أداء مناسكهم والقضاء على مشكلات الازدحام، ليولي جل اهتمامه لمشاريع التوسعة التي طالت كل المشاعر المقدسة، بما فيها الحرم المكي، إضافة إلى امتداد الإنفاق والتقاطعات والجسور التي تعمل على تسهيل حركة المرور على ضيوف بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة.

وفي هذا السياق صدرت في الـ26 من شهر ذي الحجة 1428 موافقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، بتنفيذ مشروع لتوسعة الساحات الشمالية للمسجد الحرام لمضاعفة الطاقة الاستيعابية بما يتناسب مع زيادة أعداد المعتمرين والحجاج ويساعدهم في أداء نسكهم بكل يسر وسهولة.


تنظيمه وحرصه

واتسم عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، بسمات حضارية رائدة جسدت ما اتصف به من صفات مميزة، أبرزها تفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه وأمته الإسلامية والمجتمع الإنساني بأجمعه، في كل شأن وفي كل بقعة داخل الوطن وخارجه إضافة إلى حرصه الدائم على سن الأنظمة وبناء دولة المؤسسات والمعلوماتية في شتى المجالات، مع توسع في التطبيقات ومن هذا المنطلق تم إكمال منظومة تداول الحكم بإصدار نظام هيئة البيعة، ولائحته التنفيذية وتكوين هيئة البيعة، وجرى تحديث نظام القضاء ونظام ديوان المظالم وتخصيص سبعة مليارات ريال لتطوير السلك القضائي والرقي به، كما تم إنشاء عدد من الهيئات والإدارات الحكومية والجمعيات الأهلية التي تعني بشؤون المواطنين ومصالحهم.

وبدأت المجالس البلدية تمارس مسؤولياتها المحلية وزاد عدد مؤسسات المجتمع المدني وبدأت تسهم في مدخلات القرارات ذات الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، وتم تشكيل هيئة حقوق الإنسان وإصدار تنظيم لها وتعيين أعضاء مجلسها، وهيئة الغذاء والدواء وقام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بدوره في نشر ثقافة الحوار في المجتمع، وأسهم في تشكيل مفاهيم مشتركة بشأن النظرة إلى التحديات التي تواجه المجتمع وكيفية التعامل معها.