قرارات الملك سلمان بن عبدالعزيز الجريئة التي أعطت انطباعا واضحا للمتلقي على إصرار خادم الحرمين على الإسراع في دفع مسيرة الوطن نحو غد أفضل ومستقبل مشرق وقيادات شابة سيجني الوطن والمواطن ثمارها قريبا.

قرارات استثنائية كدمج وزارتين مهمتين وإلغاء مجالس البيروقراطية والجمود واستبدالها بتنظيم واضح، لتصبح داخل بوتقة واحدة في مجلسين، ينم عن تميز إداري واحترافية سياسي محنك.

الاستحقاقات التي تشهدها مرحلة التطوير الشامل هذه كثيرة جدا، ولكن ربما من الأفضل أن نركز على نقطة واحدة في هذا المقال، وهي فكرة استحداث وزارة جديدة تحت مسمى وزارة الثقافة والشباب، على ما هو معمول به في نماذج عالمية كثيرة.

إن من يصنع مستقبل الأمم واستمرار حضاراتها وتطورها الإعداد الجيد للأجيال الشابة والاهتمام بتحصين الناشئة، والعمل على تثقيف العقل الجمعي وزرع القيم النبيلة وتكريس ثقافة الحوار، وحب الوطن متزامنا مع الاهتمام بالجسم والتدريب لينطبق المثل القائل العقل السليم في الجسم السليم.

تلك النسبة التي تقارب الـ70% من عدد السكان في ظل متغيرات داخلية وإقليمية متسارعة مختلفة الاتجاهات والتوجهات، وثورة تقنية لا تهدأ تستحق أن يستحدث لهم وزارة متكاملة تعنى بشؤونهم وترعاهم.

برأيي المتواضع أن إلغاء الرئاسة العامة لرعاية الشباب بات مطلبا مستحقا، وتحويلها إلى هيئة تُعنى بشؤون تطوير كرة القدم فقط، رغم أنها لم تفلح في إدارة النجاح في هذه المهمة "انتصارات الفريق الوطني في بطولات عدة" بل تعيش إخفاقات متوالية ومستوى كرويا متدنيا رغم دعم الدولة.

اختطاف الشباب لمخيمات الرفض والتجهيل كان بسبب غياب دور التخطيط الاستراتيجي لوزارة الشباب المفترضة على مهمة إدارة الوقت والاستفادة منه، خاصة أوقات المواسم والعطلات لهذه الأعداد المليونية من شباب الأمة السعودية من الجنسين، بعد تركيز التنظيمات الإرهابية على تجنيد الفتيات مؤخرا في تقليعة جنون جديدة من مسرحية التضليل.

المشهد الثقافي والأدبي يحتاج إلى عملية تصحيح جراحية ودقيقة لفصله عن الإعلام ووزارته التي لم يعد لها وجود في أغلب النماذج العالمية، فقط تم الاكتفاء في دول العالم المتقدم بعدة هيئات ومؤسسات تمارس الإشراف بحيث يتماشى الإعلام مع توجهات المصالح العليا لخدمة نظام معين، فلا أعلم -وقد بلغت الأربعين- وسائل إعلام عالمية محايدة بشكل كامل نهائيا، وعلى مسؤوليتي بدءا من إمبراطوريات مردوخ الإعلامية.

الحقيقة أن وزير الإعلام الأسبق معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة كان من أوائل من طرح فكرة إلغاء وزارة الإعلام، وقطع في ذلك شوطا كبيرا وجهدا مباركا من أجل هذا الهدف إبان توزيره.

المشهد الثقافي تائه فلا معين ولا ناصر، والثقافة والمثقفون يحتاجون إلى الكثير والكثير من كل شيء من أجل أن تكون جغرافيا الوطن منارات للثقافة والفكر.

لا يجتمع في جوف وزارة سليمة إعلام وثقافة أبدا، ولا بد من المكاشفة والمصارحة أن كل الوزراء السابقين وحتى معالي الوزير الجديد الدكتور عادل يدركون هذه المعضلة، وقد فشل الجميع رغم المحاولات في إعطاء المشهد الثقافي ما يستحقه من اهتمام ودعم لتاريخ حضارة وثقافة عربية مشرفة ممزوجة بعربية شذبها الإسلام برسالة نبي الرحمة، صلى الله عليه وسلم.

في عهد سلمان انفتاح مضطرد وهامش حرية إعلامي يرتفع مؤشره في صعود مضطرد يتناسب مع وعي المجتمع وتطلعات الحكومة في التناغم مع هذا الوعي.

ككاتب رأي يستشعر مسؤولية صناعة الرأي العام من خلال الطرح المعرفي القائم على الاستنتاج والتحليل، أعتقد أنه ربما من المفيد إلغاء وزارة الإعلام وإلغاء الرئاسة العامة لرعاية الشباب كأجهزة حكومية لا تتناسب مع تطلعات الشباب والمثقفين فضلا عن الأدباء.

أعتقد أيضا أن استحداث وزارة للثقافة والشباب سيكون نقلة تطوير نوعية وقرارا مستحقا سيؤثر كثيرا من الناحية الإيجابية على المجتمع عامة، وليست فئة أو شريحة بعينها داخل منظومة الطيف المجتمعي للأمة السعودية.

أثق أن معالي وزير الإعلام الدكتور عادل سيدعم هذا التوجه لتغليب الصالح العام، ويكمل جهود أستاذنا الأديب الوزير خوجة، كما أرجو أن يفاجئنا ولي أمرنا ومليكنا المحبوب أبو فهد باستحداث هذه الوزارة جريا على عادته المباركة في دعم مسيرة الوطن السلمانية للتطوير والتنوير والتغيير.

وأعتقد أن الإسراع بقرار كهذا يرسخ ترجمة طموحات الملك سلمان التطويرية، خاصة أن الثقافة والشباب تربطهما من وشائج المودة والقربى والمصير المشترك ما يجعل جمعهما في وزارة واحدة بداية خطوات الإصلاح الجذري فيما يتعلق بهذه الملفات.