يحفل مشهدنا الثقافي بكثير من المتناقضات التي صيرته حقلا ملغوما بعلامات الاستفهام والتعجب، المتابع يعرف ذلك والمثقفون أنفسهم لا يغيب عنهم مدى تأثير تلكم المتناقضات عليهم وعلى ما يمكنهم إنجازه، ولمعالجة هذه الإشكالية التي ما فتئت ملتصقة بكل مناحي وزوايا حراكنا، لا بد من سبر غور المثقف السعودي بدءا، ومعرفة اتجاهاته النفسية وما ينبني عليها من رؤى، ولعل الحالة الناقدة في جانبها السلبي هي المهيمنة في الوقت الراهن، فمن ناقم على لائحة الأندية الأدبية، إلى مستنكر للكيفية التي تدار بها الثقافة والإبداع، مرورا بذوي الحظوظ الخاصة ممن يرتعون هنا وهناك تارة مع القوم وأخرى ضدهم.
سر التناقض فينا -كما أراه- هو أننا لم نستطع الفكاك من مطرقة التنظير وسندان التعميم في قراءتنا للحالة، المنابر الثقافية تصدح، وأعمدة الملحقات تثرثر على مدار الساعة، ولا أبرئ عمودي هذا من التهمة، والاجتماعات تعقد، وورش العمل تنظم، والضجيج يتوالى حتى إذا ما انفض السامر ثم التقينا في الأركان القصّية جعلنا من الآخرين – ونحن سنكونهم في ركن آخر بالطبع- لقيمات هشة نقرمشها مع رشفات القهوة، ونفثات محطمة تتطاير مع دخان الردهات المكتظة. نزعم أننا رسمنا أهدافنا، وبنينا خططنا ثم لا نلبث أن نهدمها لبنة لبنة، لأننا مستمرون في التنظير، ومتهمون للجميع بعدم الأهلية أو الأحقية، ومع ذلك كله يعترينا الصمت وتتغشانا – شداة الثقافة والإبداع- حالة من ضباب الرؤية وشتات الرأي في تقرير ما يكون أو ما لا يكون.
إذن، هناك شيء لا بد أن يحدث ولكنه لم يحدث، هنالك دور يجب أن يمارس غير أنه غائب، في الأفق قادم منتظر بيد أنه لا يحضر، وهنا مكمن المشكلة وموطن العلاج في الوقت عينه، شيء ما لم يحدث جعل المجتمع لا يثق كثيرا في مؤسساته الثقافية وأطرافها في الأماكن المتباعدة، فلم يقبل عليها الشباب كما كنا نرسم ونخطط، أمر ما تاهت بدونه آمالنا في تغيير الوعي العام كما هو منوط بالفعل الثقافي أن يفعله ويباشر نموه وارتقاءه.
شيء أو فعل أو قرار أو منظومة من الفعاليات، أيا ما تكون شريطة أن تتخذ من القصدية منهجا، ومن استهداف تنظيم الشأن الثقافي منارة، ومن توحيد الرؤى تجاه الرقي بمشهدنا غاية وأفقا، كل ذلك يمكن أن يحدث لكننا –مع شديد الأسف- ما نزال ننتظر ذاكم الشيء الذي لا يحدث، ولن أقول لن يحدث.