هل تساءل أحد من وراء كل هذا اللغط الذي يُجند له الإعلام منذ سنوات للدفع بالعدوانية والانشغال بصغائر الأمور؟! هل تساءل أحد من وراء كل تلك التوافه والمشاكل المختلقة والإغراق بالمفاجآت المرعبة، والغريبة وسيل المتضادات اليومي؟!
بث مقطع حرق الطيار الأردني ثم بعده مباشرة تبث اليوتيوب مقاطع للخدع البصرية للحريق. مقتل حارس صحيفة شارلي إيبدو ثم بث مقاطع تكذيب للمقطع وغيره كثير. توظيف صور لأحداث قديمة في حوادث حديثة للتأثير في الرأي العام ثم ضياع الحقيقة.
هذه فقط ضمن الأدوات، وأدوات بسيطة عابرة يتم استخدامها يوميا لبناء "منظومة الاضطراب والخديعة" التي ستجعل الإنسان يجد صعوبة التمييز بين الحقيقة من الأكاذيب أو الواقع من الخيال، بل سيزداد التضليل والخداع وسيكون أصعب جهاد هو جهاد العقل والقلب والروح، والثبات على القدرة على تمييز الحقيقة من الكذب.
يقول "إدوارد بيرنيز"، إن من يحكم العالم هم في الحقيقة خبراء علم النفس الذين يعرفون خفايا النفوس البشرية ويتحكمون بها، ويخضعونها لخدمة أهدافهم، وقد قال ذلك صراحة في كتبه. اليهودي "إدوارد برنيز"هو مؤسس علم "البروباجاندا" وهو ابن أخت عالم النفس الشهير"سيجموند فرويد" واستعان به لمعرفة سيكولوجية البشر للتأثير عليهم والتلاعب بهم لتضليلهم لصالح الساسة.
من الواضح أن الهدف هو السيطرة على العقل، فإذا سيطرت على العقول ستسيطر تبعا لذلك على كل ما دونه. ولذا نتساءل كمتلقين لكل الأحداث من حولنا.
هل من الممكن أن تكون هذه المعلومات المتضادة والمتضاربة الصحيحة في بعض المعلومات والمغلوطة في نفس الوقت تم بثها لنا لنتوه بين الحقيقة والخديعة؟ نعم يحدث.
وهل من الممكن أن تكون هذه المعلومات تم السماح لها للظهور للعلن في هذا الوقت بالذات. حتى إذا أصبح الحقيقي أمامنا يختلط علينا ما بين الخديعة والوهم. والحقيقة. نعم يحدث. اختلاق أو صناعة الكذب تم التخطيط له مسبقا من قبل جهات معينة ونشره في جميع وسائل الإعلام لتحفيز الرأي العام وتحريك عواطف الشعوب هو ما يحدث الآن.
إن هذه الخدع والتداخل بين الحقيقي والمزيف أنتج لنا أولا: أن الشعوب أصبح لديها ردة فعل تجاه كل حدث وهي التصديق ثم التكذيب ثم التصديق يعقبها التكذيب والنتيجة التبلد الذهني تجاه أية قضايا مصيرية، أو إنسانية، ثانيا: أصبح المواطن العربي يتناول غداءه وهو يشاهد الذبح، الحرق، التفجير بدم بارد، لقد تحقق الهدف من كل هذا وهو الوصول إلى إنسان بلا ردة فعل، إنسان عربي مضطرب، وبلا قضية، وبلا شعور. وهذا هو الذي سيشكل فارقا في التاريخ والمصير.