كبت كرة القدم السعودية منذ سنوات فلم تعاود النهوض على الرغم من المحاولات الكثيرة التي بذلت لإعادة الروح إليها وإطلاق عنانها وإيصال صهيلها إلى القمم التي تربعت عليها من قبل مثل نهائيات أمم آسيا وكأس الخليج وبلوغ المونديال العالمي للمنتخبات وحتى الأندية.
وفي وقت تكبو فيه كثير من المنتخبات ثم تنهض، فإن كبوة الكرة السعودية طالت كثيراً على مستوى المنتخب الأول والأندية وهو ما تحاول "الوطن" بحث أسبابه واستقصاء دوافعه وإيجاد الحلول له بما يضمن عودة هذه الكرة من جديد إلى تألقها.
وفي حلقة أولى، نسلط الضوء على ما يراه بعض الخبراء في هذا الجانب، على أن نواصل في حلقات أخرى استطلاع آراء آخرين من داخل المملكة وخارجها.
غياب التخطيط
يرجع كثير من المحللين الفنيين والاقتصاديين والنفسانيين انخفاض مستوى الكرة السعودية إلى عدم وجود تخطيط طويل الأمد أدى إلى صعوبة المحافظة على القمة التي وصل إليها المنتخب السعودي ببلوغه نهائيات كأس العالم أربع مرات وتحقيقه كأس آسيا ثلاث مرات.
وغياب التخطيط تسبب في تراجع تصنيف المنتخب السعودي في العالم وتخلفه عن عدد من المنتخبات في دول الخليج والقارة الآسيوية، على الرغم من أنه كان يتفوق عليها، وكان السبب في عدم التوفيق بالتعاقد مع جهاز فني مناسب حتى الآن.
وأوضح المدرب الوطني تركي السلطان أن من أسباب تدهور الكرة السعودية عدم وجود جهاز فني مستقر وذلك لعدم وجود خطة استراتيجية لعدة سنوات مقبلة، مضيفا أن تغيير المدربين ناتج عن سوء عملية الانتقاء والاختيار التي يجب أن تتسم بفنون تعتمد على التخطيط الجيد في ظل الإمكانات المتوافرة، مؤكدا أن الدول الأخرى سبقت المملكة لأنها أجادت عملية التخطيط والتنفيذ والمتابعة.
وقال: "بعد الفترة الماضية التي شهدت سطوع اللاعبين السابقين الذين وصلوا بمنتخبنا إلى كأس العالم وحققوا كأس آسيا مرات عدة، لم يعمل الاتحاد السعودي لكرة القدم كي يستمر المنتخب في التفوق ولم يستقر على جهاز فني ولم توضع استراتيجيات أو تنظيمات للأندية تتعلق ببناء الفئات السنية. فالكرة الإماراتية مثلا كانت تأتي خلف كرتنا السعودية لكنها استقرت منذ سنوات على المدرب الوطني مهدي علي، واستقر هذا المدرب على جيل اللاعبين الذي جاء بهم من الفئات السنية، بينما منتخبنا ضم عشرات اللاعبين في فترة وجيزة".
وأضاف: "لدى كل ناد من أندية الإمارات سبعة ملاعب جاهزة للتدريب فيما لا يوجد أكثر من ملعبين لبعض أندية المملكة. فأين يتدرب اللاعبون في فرق البراعم والناشئين والشباب والأولمبي والأول؟ وهذا سبب آخر لعدم التطور في الكرة السعودية".
وأكد السلطان على عدم وجود عمل منظم بل اجتهادات في جميع أنحاء المنظومة الرياضية في السعودية إداريا وفنيا وفي الفئات السنية والمنشآت الرياضية، وقال: "من الصعب بناء بيت دون أساسات لأنه سينهار يوما ما، لذا نحتاج لبناء قوي وسليم لا يتطلب ترميمات كثيرة من وقت لآخر، إضافة إلى تعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات، وحديثي هذا هو نتاج تجارب دول أخرى كاليابان مثلا والإمارات وأتوقع عمان قريبا".
واستطرد: "نحن لم نحقق أي إنجازات سوى الانتخابات وافتتاح ملعب الجوهرة وحتى الملاعب الكبيرة التي ستنشأ قريبا لن يسمح للأندية بالتدريب عليها سوى يوم المباراة فقط".
وبين أنه يجب الاعتراف بالمشكلة وأن كرة القدم السعودية لم تعد تشكل أي قوة في القارة الآسيوية، والمنتخب السعودي لم يعد منافسا أو قادرا على مجابهة كثير من المنتخبات الأخرى بدليل مركزه في التصنيف العالمي، وأنه لا بد من الاعتراف بالمكانة الحالية لا العودة للتباهي بما حققه السابقون وسرد إنجازات تاريخية مضت.
وطرح السلطان عدداً من الحلول للعودة بالكرة السعودية من جديد ممثلة بالتنظيم الإداري والفني ووضع خطط استراتيجية قابلة للتنفيذ والتعديل بشرط أن يكون محدودا.
إعادة هيكلة
من جهته، أكد خبير الاقتصاد الرياضي علي الدويحي أن أسبابا مجتمعة عادت بالكرة السعودية إلى الوراء منها ضرورة إعادة الهيكلة بدءا من الاتحاد السعودي لكرة القدم، وقال: "انتخابات اتحاد الكرة لا تفرز الأفضل غالباً، وكثير من أعضاء هذا الاتحاد هم من أعضاء أندية الدرجة الأولى والثانية والثالثة الذين لم يتمكنوا من وضع استراتيجيات تطويرية لأنديتهم أولا حتى يعملوا على تطوير الكرة السعودية".
وأضاف: "يجب تخفيض قيمة عقود اللاعبين حتى يمكننا أن نوجد مبدأ تكافؤ الفرص لأن ارتفاع هذه العقود خلق عدم التكافؤ في الفرص وأرهق ميزانيات الأندية".
وتابع: "المشكلة أيضا تكمن في التدوير، فنجد أن نفس اللاعبين ينتقلون من ناد سعودي لآخر فتتلاشى فرص ظهور المواهب لأن الأندية تريد اللاعب الجاهز فقط، وكذلك هناك تدوير بين الإعلاميين فهم أنفسهم من يظهرون لتسويق أفكارهم نهارا في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" ثم مساء في البرامج التلفزيونية. والإعلام في الواقع أصبح محبطا للاعبين ويثير التعصب ويبحث عن الترويج".
وأوضح الدويحي أن الشارع الرياضي أصبح قويا اليوم ويفرض كلمته على الإعلام، وكذلك الأمر بالنسبة للأندية التي باتت أقوى من اتحاد الكرة بينما يفترض العكس. والسبب في هذا ضعف لجان الاتحاد السعودي وعدم الثقة بها خاصة أن هذه الأندية تساندها جماهير عريضة لم تعد تحضر للملعب لتؤازر الأخضر بل أنديتها".
وبين أنه "لا بد من تغيير المدرسة الرياضية وتوحيدها بحيث يكون مدرب المنتخب يحمل نفس جنسيات مدربي الأندية وهو من يوصي الأندية بالتعاقد مع اللاعبين وحتى عندما يشارك اللاعب في المنتخب لا يشعر باختلاف المدرسة التدريبية لأن المدارس الآن أصبحت متنوعة".
لغة الأرقام
من جانبه، أبان أستاذ علم النفس الدكتور حاتم الغامدي أنه بعد أن وصل المنتخب السعودي إلى القمة لم يتمكن القائمون على الرياضة السعودية من المحافظة على هذه القمة فبدأ يتدهور تدريجيا.
كما أبان أن الاحتراف جلب عقودا احترافية عالية جدا تتطلب تخفيض قيمتها في الوقت الذي لا يقدم اتحاد الكرة مزايا مادية كبيرة للاعبي المنتخب، والحديث عن الوطنية لم يعد مقبولا كما كان سابقاً حينما كان اللاعبون القدامى يلعبون حبا في الكرة والشعار، فلغة الأرقام الآن هي السائدة وشعار الوطنية لم يعد من أولويات اللاعب السعودي.
وأضاف أن سوء اختيار الجهاز الفني للمنتخب من العوامل التي أثرت على مستوياته الفنية، إضافة إلى عوامل أخرى يلعب فيها الإعلام دورا كبيرا في تضخيم واقع المنتخب السعودي، فهناك منتخبات تجاوزت المنتخب السعودي بمراحل ولا زال الإعلام يصور الأخضر على أنه بطل آسيا.
وتابع بأنه لا يوجد خطط طويلة المدى لبناء منتخب قوي يشرف المملكة في المحافل الدولية فالتخطيط وقتي.
ووضع الغامدي حلولا عدة لمعالجة المشكلة أبرزها تخفيض قيمة عقود اللاعبين حتى يستطيع اتحاد الكرة وضع مزايا مادية أكبر للاعبين من أنديتهم فيشعرون بالرغبة في تحقيق الهدف المنشود والأمان في حال التعرض للإصابات، وأن يعرف كيف يختار جهازا فنيا عالي المستوى يعمل على تطوير مستويات العناصر تستفيد منه حتى الأندية، وأن يتم الاختيار السليم لهذه العناصر بألا تكون معظمها من فريق واحد، وأن يحاول اتحاد الكرة رفع إحساس اللاعب بالوطنية وحب شعار الأخضر لأن المصلحة الشخصية أصبحت تطغى على معظم الناس.