الحكاية السردية عن التفاصيل التراثية التي تتوزع بين جغرافية المنطقة التاريخية بجدة، مرتكز يستند إليه معظم زوار مهرجان التاريخية، في بحثهم عن التفاصيل الدقيقة لطبيعة الحياة التي عاشها "أهل أول" بين حارات المنطقة الأربع "المظلوم، اليمن، البحر، الشام".
فاليوم لن يحتاج الزائر أو المهتم إلى مرجعيات بحثية ليعلم أدق تفاصيل ذلك الزمن، إذ يكفيه وقت قصير ربما لا يتجاوز العشر دقائق، للنظر إلى 18 لوحة زيتية - معتمدة في المهرجان- تشكيلية ليختصر المعالم التراثية الإنسانية والجمالية إلى ما قبل هدم سور المدينة القديم في 1947.
ففي حارة المظلوم الشهيرة صنع الفن التشكيلي رؤيته التسلسلية التاريخية للمنطقة، عبر "جدرانية جدة وأيامنا الحلوة"، التي تعود ملكيتها إلى عاشق المنطقة التاريخية منصور الزامل، الذي استطاع تكوين فلسفة ربما تكون مغايرة للفن التشكيلي في بلاط تاريخية جدة.
حكاية الجدرانية - جمع جدار- لا تكمن هنا فقط، بل في مكانها، حيث حجزت جزءا في أعرق بيوت المنطقة الذي بني قبل 200 تقريبا، المعروف بـ "بيت باعشن" الشهير، قال الزامل: "المكان يحمل تقديرا كبيرا لنا حينما أكرمنا الشيخ عبود باعشن به".
لوحات المكان تحمل بين طياتها تفاصيل من الحكايات المتناثرة، عن كل ما في المنطقة، حينما تسأل الزمان عن جوهر الفلسفة التي تقوم عليها الجدرانية، يجيبك بلا تردد وإن قلت بحماسة لا تختلف الصيغة على الإطلاق، فيقول: "أردنا من اللوحات تقديم جماليات المشاهد التي يود كثير من أبناء الجيل الجديد معرفتها عن طبيعة الحياة التي مر بها أجدادهم في هذا المكان".
"ثقافة الإنسان الجداوي"، منطلق فلسفي ركز عليه الزامل، وهو يشير إلى إحدى اللوحات التي تخبر الأجيال كيف كانت الجدة قديما تعمل على ماكينة الخياط لحياكة ملابس أهل البيت، لا يتوقف الرجل ويستمر في الحديث: "أردنا أن يقوم الفن وهو مرآة حقيقية لمدى تطور الشعوب، بتقديم أبرز تفاصيل المنطقة التاريخية".
نظرة بانورامية سريعة للوحات "جدرانية جدة وأيامنا الحلوة"، تنقلك إلى عالم الأسلاف الماضين، تخيم عليك ظلال البيوت الجداوية القديمة، بل وتجيبك عن مكونات الأسئلة التي تود معرفتها، فلوحة تحكي وظيفة "السقا" المتخصص في نقل المياه إلى بيوت الحارات القديمة، وصور رواشين المباني التي تحتفظ بذاكرتها لليوم، فيما أخرى سردت حكاية التفاف الحفيدات والأمهات مع ستهم "الجدة" وهن يعددن الطعام في المركب الحجازي، بصيغ جمالية فنية تأخذ بلب من يشاهدها إلى الوراء أكثر من 60 عاما. بل إن بعض الزائرين يرفض التزحزح وهو متسمر في مكانه كتعبير عن اندهاشه مما رآه.
أربعة من الفنانين التشكيليين البارزين رفدوا بلوحاتهم التأصيل التاريخي لذاكرة هذا المكان، وهم نجاة مطهر، ومريم بفلح، وصالح الشهري، ومدير الجدرانية الفنان إحسان برهان.
حينما توجه السؤال التفسيري إلى الزامل، ماذا تريد من ذلك؟ يصمت برهة، ويجيب: "نريد من الجدرانية الفنية أن تعكس تراث جدة الجميل في عيون السائح الأجنبي والسعودي، وأن يستفيد الفنانون والفنانات التشكيليون من ترسيخ ذاكرة المنطقة التاريخية مع حفظ حقوقهم المالية".
الدهشة التي ربما تفسر لك مدى الاهتمام العالمي بهذه المنطقة من خلال لوحة مميزة لحارات جدة تعود إلى الفنان الأميركي جي ود التي رسمها عام 1985، التي تعود ملكيتها إلى "مؤسسة جدة وأيامنا الحلوة".
لم يكن التفاعل مع "الجدرانية" شعبيا فقط، فوزيرا التعليم العالي والثقافة والإعلام عرجا على المكان لجماليته الفنية في اختصار تاريخ المنطقة، وليس ذاك فحسب، فرئيس جامعة mit الأميركية حجز هو الآخر حظا في استطلاع لوحات عكست جانبا مهما في تاريخ مدينة الـ3 آلاف.