يتساءل المهتمون عن الطرق التي ينظم من خلالها المجتمع وتسهل إدارته المدنية، وعلى جانب مهم يأتي الحديث حول ثقافة العقاب التي تحول دون تحقيق الهدف التربوي من تأهيل الفرد للمواطنة الصالحة بعد وقوعه في الأخطاء كجانح أو منحرف أو مجرم، فضلا عن طريقة عقابه وإن كانت ظاهرة يعكسها الاحتياج من معطيات واقعية لدينا، لكنها في المقابل ليست صحية أو إصلاحية بالمقياس الذي يتعامل به أي مجتمع متحضر.
هناك معادلة تقول: "إذا غاب الدور الإرشادي والإصلاحي والوقائي المنظم في أي مجتمع، فإنها تزيد الحاجة لفتح المزيد من السجون للدواعي الأمنية"، وهي بذلك نتيجة لأخطاء اجتماعية وفردية أصبحت تشكل عبئا على المجتمع، مع توجيه الفكر الاجتماعي نحو ثقافة العقاب وتعديل السلوكيات الإنسانية أو تقويمها بمفهوم تقييد الحرية، هذا إذا كنا سنعمل على مقياس أن الحرية تغذي الرشد والمسؤولية في السلوك الإنساني.
لا شك أن الدور الذي يؤديه السجن هو دور أمني وضابط يحمي المجتمع وينظم العلاقات بين الأفراد، ولكن يجب أن يقدم دورا تربويا وإنسانيا في تقويم سلوكيات المنحرفين وإعادة تأهيلهم اجتماعيا وسلوكيا، فالسجون بيئة خصبة تنتشر فيها الأفكار الخاطئة تجاه الحياة، ومن شأنها تعزيز السلوك المنحرف أو الإجرامي على تفاوت نسبيته، فلماذا يعود البعض إلى الجريمة رغم خضوعهم للعقوبة؟ بل ربما تنتهي عقوبته ويخرج بقناعاته نفسها، وهذا يجعله يشكل خطرا أكبر إذا لم يستطع التخلص منها، بل ربما يكبر حجم المتمرد الذي بداخله ليجعله يتجه إلى أعمال أكثر خطرا وإيذاء.
تفعيل الدور التربوي والإصلاحي الذي يعالج تمرد المنحرف أو المجرم على ذاته ومجتمعه، وانعدام إحساسه بالمسؤولية تجاه أفعاله، يقتضي إيجاد بديل إرشادي يعمل على تدعيم التواصل مع المجتمع المدني ومع منظمات تربوية وهيئات تهتم وتعنى بهذا الشأن، وذلك بهدف النهوض بمسيرة الإصلاح وفق تخطيط مشترك يعامل المساجين كأسوياء، وهذا في مؤدّاه يوجد سبلا للتكوين المهني كفرصة تملأ الفراغ لدى السجين بشكل يجعله يستعيد اعتباره واحترامه لذاته، باعتبار ذلك حلا وقائيا للحد من الرجوع إلى الانحراف والجريمة.