أظهر استبيان أعدته الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" عن مظاهر الفساد الأكثر انتشارا في المملكة، أن "الواسطة" تعد أكثر مظاهر الفساد انتشارا بنسبة 52.7%. وبحسب الاستبيان، جاء "اختلاس المال العام" ثاني أكثر مظاهر الفساد بنسبة 29.2%، تلته "الرشوة" بنسبة 10.6%.
يقال في الأدبيات الحقوقية، إنه كلما زاد احترام حقوق الإنسان قل الفساد والعكس صحيح.
فعندما ننظر إلى ترتيب بلد مثل النرويج التي تتصدر قائمة النزاهة والشفافية وبين موقعنا في قائمة الفساد، تظهر النتيجة المهمة في القائمة الأخرى ذات العلاقة الوطيدة التي تكمن في احتلال النرويج المركز الأول على مستوى العالم في مؤشر التنمية البشرية الذي يقيس موجز التقدم الطويل الأمد في مجال حقوق الإنسان.
وفيما يلي سأعرض أهم آثار الفساد على حقوق الإنسان المدنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية:
1- التمييز العنصري بجميع أشكاله: نصوص النظام الأساس للحكم في المملكة نصت في المادة 26 على التزام الدولة بحماية حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية، والمادة الثامنة التي تؤكد على مبدأ العدل والمساواة بين المواطنين، وكما تلاحظون في الاستفتاء عن مظاهر الفساد الأكثر شيوعا في المملكة، جاءت المحسوبية والواسطة في المقدمة لأنها أصبحت أسلوب حياة بالنسبة لنا، ولا يمكن إنجاز أي عمل دونهنا مهما كان حق الإنسان أبلج كوضح النهار.
والفساد "العنصري" يكمن ببساطة في إعلاء المصالح الخاصة على لغة القانون، وذلك بالضغط على المسؤولين في مختلف القطاعات الإدارية في الأجهزة الحكومية في سبيل تعيين من ليس كفؤا للوظيفة وليس جديرا بها، لأنه "فلان بن فلان"، ويحرم منها من هو كفؤ، لأنه مغيب اجتماعيا.
2- الفئات المهمشة والأكثر عرضة للانتهاك: فأمام ما تم ذكره من حدوث تمييز عنصري وضعف في تطبيق القانون بسبب الفساد، فإن ذلك سيؤدي حتما إلى حدوث انتهاكات كبيرة قد تطال الفئات الأكثر أحقية في الرعاية والمساعدة، لا سيما النساء والأطفال والمسنون والفقراء والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم، ما قد يفضي إلى استغلال هذه الفئات من قبل بعض المتنفذين أو القائمين على تنفيذ البرامج الخدمية والأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون التي قد تصل إلى ممارسة العنف على تلك الفئات كالضرب والاستغلال وسوء المعاملة، وذلك بسبب غياب المساءلة والمحاسبة. إذ إن انتشار الفساد وغياب معايير النزاهة سيقللان من الرقابة على المؤسسات الرسمية والخاصة والأشخاص مقدمي الخدمات.
3- انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: إن انتشار الفساد سيؤدي إلى عدم إيلاء حق التعليم والصحة والسكن وبرامج التنمية الاجتماعية ومكافحة البطالة الاهتمام الكافي، وستتردى نوعية الخدمات المقدمة للناس. إذ سينتهي الأمر إلى دفع الرشاوى من أجل الحصول على الحماية والتمتع بالحقوق.
المملكة صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وذلك بتاريخ 29/ 4/ 2013 ونحن ملزمون بوضع التدابير الوقائية اللازمة للحد من انتشاره، طبقا لجميع الالتزامات الواردة في الاتفاقية.
واللافت أن هيئة مكافحة الفساد إلى الآن لا تخيف أحدا، لأن جل عملها يتركز -فقط- في إرسال خطابات للجهة الإدارية بملاحظاتها، بينما كان الواجب -كما هو الحال في الدول المتقدمة- أن تتولى الهيئة بنفسها التحقيق في حالات الاشتباه بالفساد، وعدم ترك الموضوع للجهة الإدارية، وأن تمتلك الهيئة صلاحية ملاحقة المشتبه في فسادهم، بما في ذلك إصدار أوامر القبض، والإيداع في السجن، وتجميد الأموال، والمنع من السفر، وكف اليد عن العمل.