حتى في الكتابة، تبدو ارتفاعات الأسقف مثل الأزمنة والمواسم. ترتفع حرارة الكتابة في الصيف، لا لأننا في الصيف عادة ما ننام فوق الأسطح أو نكتب من فوق الأسقف، بل لأن السواد الأغلب من المسؤولين يذهبون في إجازة من العمل، وبالتالي لا يقرؤون ما نكتب. وفي الحالتين فللأمر مساوئ ومحاسن. إن لم يقرؤونا فسيكون السؤال، ولماذا إذاً نكتب؟ وإن قرؤونا فلربما أزبدوا وأرعدوا ثم أمطروا، لنعود اختباء تحت السقف. نحن نكتب وكل الصور تلمع على زجاجة القلم. صورة المسؤول، وصورة المواطن، وصورة الوطن، وصورة القضية ولن أنسى صورة الرقيب. وكل هذه الصور لا تجتمع معا على زجاجة واحدة إلا في بواكير الشتاء، فمن هو الكاتب الجريء الذي يستطيع في زمهرير الشتاء أن ينام فوق الأسطح وأن يكتب من فوق – الأسقف -. ومثلما قال قارئ نبيه جداً وهو يعلق على مقالي بالأمس: إن الكتابة تبدو مثل محاولة السير فوق حبل مشدود وصحيح أن كثيراً من الكتاب يمد حبله على ارتفاع متر من الأرض ومثل هؤلاء لا يخافون وطأة السقوط ولكن: كيف يستطيع قلة آخرون ذات المشي وهم الذين شدوا الحبل عالياً مرتفعاً بين ناطحتي سحاب؟ ها هي صور المواطن والمسؤول والرقيب تعود مجتمعة في الوقت الحرج من اشتداد الريح في شتاء تنكمش فيه حتى الحبال تحت قانون الانكماش والتمدد.

إن كتبنا عن أسعار البطاطا أو عن قرار منع الاحتطاب هرب المواطن إلى كتابة – آخر – يثق فيه، وإن كتبنا عن الفساد وحقوق ابن حواء في آدمية كريمة توجس الرقيب وأمطرت سحائب المسؤول وهي التي لم تمطر عادة في زمنها ومكانها الصحيحين. يشعر الكاتب الذي ينام فوق الأسطح ويكتب من فوق – السقف – أنه كائن مهدد بالانقراض. يشعر أحياناً تحت ضغط الأمطار والأعاصير فوق السطح أنه مهدد بترك المساحة التي يكتب من فوق سقفها وفي أفضل الأحوال كي يؤجرها – شقة مفروشة – لمن أرادها نيابة عنه، مثلما قال الساخر جعفر عباس، أو أن يبيعها لوكالة دعاية وإعلان لهذا أو ذاك وكم هم المئات الذين يتمنون هذه المساحة من أجل مكاتب طوابيرهم من العلاقات العامة.