نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، في 14 يناير الحالي مقالاً تحليلياً بادرت فيه بتخطيط لما سيحصل بعد هزيمة تنظيم "داعش" في العراق أو احتوائه بشكل كاف، وفيما يأتي سرد لوقائعه:
قال السفير الأميركي في العراق خلال الأعوام 2010–2012، جيمس جيفري "لا نستطيع تحقيق هدف العراق المستقر وهزيمة داعش الدائمة دون وجود طويل الأمد للأميركيين. وبوجودنا يمكن أن يحصل الأكراد والسُنة على حصة من بغداد التي يهيمن عليها الشيعة، وإيران بطريقة غير مباشرة".
وقال جيفري إن التحركات لإنشاء قوة حفظ سلام أو مراقبة يجب أن تقودها الولايات المتحدة، ولكن تدعمها القوة العسكرية الأميركية. هذا يعني قوة أميركية خجولة تخطط للبقية في العراق وأخيراً في سورية، عندما تهزم داعش، بحسب قوله.
أكثر من 2000 جندي أميركي يساعدون على إعادة تدريب الجيش العراقي لمضاهاة داعش على الأرض، حتى مع قيام الطائرات من دون طيار والمقاتلات الأميركية بمئات الضربات الجوية، محققة بعض النجاحات الباكرة بإيقاف تقدم مُسلحي التنظيم.
هجوم أرضي كبير ضد التنظيم المسلح لن يبدأ قبل بضعة أشهر، لكن الخبراء يقولون إنه لتجنب تكرار الانسحاب الأميركي في 2011، الذي سمح لإيران بأن تصبح قوة مهيمنة، مهمشة السُنة ومؤدية لميلاد تنظيم داعش، فإن الوقت قد حان الآن لتخطيط ما سيحصل بعد هزيمة التنظيم أو احتوائه بشكل كاف. أحد الخيارات المقنعة هو قوة دولية تستطيع الحفاظ على سلام المناطق الكردية والسُنية والشيعية، وتمنع انقسام العراق بخطوط عرقية ودينية.
كبداية، ربما سمح أوباما للجنود الأميركيين بقتال داعش مع البيشمركة الأكراد والقبائل السُنية، بجانب إعطاء هذه المجموعات "بعض الضمانات بأننا سنبقى هناك للأمد البعيد"، كما يقول جيفري، الذي يعمل الآن كباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
حتى لو التزمت القبائل السُنية والأكراد بشكل كامل بإسقاط داعش، حالما ينتهي القتال مع المسلحين "الأكراد والسُنة سيعودون إلى نفس الوضع السابق: الأكراد يريدون الاستقلال والسُنة قد يصنعون قضية مشتركة مع التنظيم الجهادي القادم"، بحسب جيفري.
تملك الولايات المتحدة 2140 جندياً في العراق من أصل 3100 سمح لهم أوباما، بحسب الكولونيل ستيفن وارن، الناطق باسم البنتاجون. وبقية هذه القوات ستتوجه إلى العراق خلال الأسابيع المقبلة.
ما يقارب 800 جندي هناك لحماية السفارة الأميركية في بغداد والأفراد الأميركيين الآخرين، بينما البقية لتدريب القوات العراقية، بحسب وارن. مجموعة من 320 فرداً من المارينز موجودة في قاعدة الأسد في محافظة الأنبار- إحدى المناطق القوية لداعش- ويواجهون تقريباً إطلاق نار يوميا من المجموعة المسلحة، بحسب ما أخبر وارن المراسلين في 5 يناير الحالي.
كثير من القبائل السُنية التي تحاول أميركا الآن خطب ودها لقتال داعش كانت أساسية فيما كان يسمى "الصحوات" التي ساعدت أميركا على هزيمة تنظيم القاعدة في 2006. انقلبت القبائل لاحقًا على رئيس وزراء العراق حينها نوري المالكي -الشيعي- الذي رفض الدفع للمقاتلين أو احتواءهم في الجيش العراقي الحالي بعد انتهاء العنف، مهيئاً الظروف لظهور الدولة الإسلامية (داعش).
بينما التزم رئيس وزراء العراق الحالي حيدر العبادي -الشيعي المقرب من إيران- علناً بإدارة حكومة شاملة، إلا أنه في اللقاءات الخاصة بدا متشككاً بالثقة بقادة العشائر السُنية، بحسب مسؤولين أميركيين وأوروبيين.
حتى لو هُزم التنظيم المسلح أو أُضعف، فإن التأثير الناتج سيكون محدوداً "ما لم تستطع الولايات المتحدة العمل مع الفصائل في العراق وحلفائها لإنشاء بُنية مستقرة للتعاون بين الشيعة العرب، والسُنة العرب، والأكراد، بحسب أندوني كوردزمان، مُدرس الأمن الوطني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في "إيميل" له.
ولكنّ تعاوناً سياسياً بين المجموعات المختلفة أساسي لمنع "الحراك الإسلامي الألفي القادم من الحصول على موطئ قدم"، بحسب ما كتب جيفري في مقالة على موقع معهد واشنطن. وأضاف جيفري: على الرغم من أن العراق سمح ببعض الحكم الذاتي للأكراد في الشمال، ترك السُنة يتمتعون بحريات مشابهة في المناطق السُنية العربية للبلاد سيتطلب تغييراً ثقافياً وضمانات دولية وقوة مراقبة خارجية.
قال المسؤولون الأميركيون في الجيش والخارجية إنه لا توجد الآن نقاشات حول قوة حفظ سلام أو مراقبة كهذه الآن. وقالت إدارة أوباما ذلك بينما يشارك ما يقارب الـ60 دولة في التحالف ضد داعش، بينها بعض الدول العربية، مثل مصر والسعودية والأردن والإمارات والكويت.
وعلى الرغم من أن الدول العربية في التحالف تنظر في الغالب إلى داعش كتهديد لوجودها الخاص، فهي أيضاً "ما زالت لا تثق بعمق بالحكومة العراقية المركزية التي يهيمن عليها الشيعة، وهذا يؤدي إلى دفعها نحو أحضان إيران، بحسب كوردزمان، الذي أضاف: قوة دولية لحفظ السلام مدعومة من الأمم المتحدة ليست أمراً جديداً.
المجتمع الدولي قام بجهد كهذا في السابق، مع مهمة الأمم المتحدة في كوسوفو في 1999، حيث سمح مجلس الأمن في يونيو 1999 لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بوضع 50 ألف جندي بعد نهاية الحرب لإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان الصربية والصراعات بين جيش تحرير كوسوفو والقوات اليوجوسلافية. وما يقارب 4500 جندي من 30 دولة ما زالوا في كوسوفو لحفظ السلام.
بعكس البلقان في نهاية التسعينات، الوجود طويل الأمد للجنود الأميركيين في العراق قد يؤدي إلى ردة فعل، كما قال نيكولاس هيراس، الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد. ولكن دوراً لأميركا "في قوة حفظ سلام كهذه قد يكون مثيراً للجدل بدرجة عالية، مراعياً الثقل الذي تملكه أميركا في منطقة الشرق الأوسط والغضب في المنطقة تجاه احتلال أميركا للعراق من العقد الأخير"، بحسب هيراس.
أما قوة استقرار كهذه قد تكون أكثر منطقية في سورية، تعمل "كضامن للأمن في حقبة ما بعد الأسد الانتقالية"، كما قال هيراس. هناك قوة متعددة الجنسيات يمكن أن تراقب إزالة الأسلحة، وتسريح الجنود، وتقسيم المسلحين، ومنع عودة داعش إلى شمال وشرق سورية، عندما تزال داعش من هذه المناطق.
لكن سياسة أوباما تجاه سورية لا تزال متفككة لدرجة أضعفت قوات الثوار المعتدلة وحصل المتطرفون على اليد العليا. لا توجد قوة حفظ سلام قادرة على السيطرة على الضغوطات المتصارعة وليست هناك "طريقة واضحة يمكن حتى الآن أن تتوقع، بأقل خسائر ممكنة، كيف ستنتهي هذه الصراعات المختلفة".