كتبت الباحثة الأميركية كاثرين مون مقالاً انتقادياً نشرته "مؤسسة بروكينجز" في 6 يناير الحالي، حول ردود الفعل الأميركية تجاه "الإرهاب الإلكتروني"، وذلك على إثر ما حدث مؤخراً من تهديد كوريا الشمالية لشركة "سوني بيكتشرز" المنتجة لأحد الأفلام الناقدة لسياسة زعيم كوريا الشمالية، كيم يونج أون.

فقد قامت شركة سوني بإنتاج فيلم "المقابلة" بسيناريو كوميدي بقصد إضحاك الجمهور وذلك عند مشاهدة الممثلين الرئيسيين سيث روجان وجيمس فرانكو وهما يمثلان بطريقة كوميدية وبشكل ساخر. ولكن الضحكة الأخيرة يبدو أنها سخرت من شركة سوني والفيلم، وذلك بعد عملية قرصنة ضخمة تعرَّضت لها الشركة في 24 نوفمبر 2014، حيث تم فيها اختراق النظام وسرقة نحو 100 تيرابايت من البيانات. واعتقد كثيرون، بمن فيهم أعضاء في أجهزة الاستخبارات الأميركية، أن كوريا الشمالية هي الجاني. وأن بيونج يانج تمتلك بالفعل قدرات متطورة في مجال تكنولوجيا الإنترنت تتيح لها أن تعيث فساداً. وعلى الرغم من دعوة الكاتبة إلى عدم الشعور بالدهشة من أن تنفذ حكومة ذات تاريخ من الإرهاب العنيف مثل هذا الهجوم. إلا أنها لا تقطع اليقين حول ما إذا كانت هي المسؤولة المباشرة عن هذه الأحداث.

وتستدل الكاتبة على ذلك بأنه لا تبدو اللغة في الرسالة الإرهابية متماشية مع لغة الدعاية القياسية أو الخطاب العدواني الذي يستخدمه النظام الكوري الحاكم عادة. فمن بين الاحتمالات أن التهديد الذي دفع دور السينما وشركة سوني لوقف إطلاق الفيلم في يوم عيد الميلاد كان من عمل إرهابيين مستقلين يتعاطفون مع كوريا الشمالية، أو ربما يتم دعمهم من قبل بيونج يانج.

وترى كاثرين أن ما حدث كان صدمة لبعض صُناع القرار. فقد طالبت بيونج يانج لأشهر عدة بحظر فيلم "المقابلة". ففي يونيو 2014، بعث سفير جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية لدى الأمم المتحدة، جا سونج نام، برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة معرباً عن اعتراضات بيونج يانج على الفيلم. وقال السفير إن إنتاج وتوزيع الفيلم يجب أن يعتبر "أكبر رعاية علنية للإرهاب، فضلاً عن كونه عملاً من أعمال الحرب"، وحثت الولايات المتحدة على "اتخاذ الإجراءات المناسبة الفورية" لحظر إنتاج وتوزيع الفيلم. فبالنسبة لكوريا الشمالية، يُعتبر تصوير اغتيال "القائد الأعلى" لها تشويها. حيث تعتبر كوريا، على أي حال، دولة ثيوقراطية علمانية، يُشكل فيها كيم يونج أون والده كيم يونج إيل وجده كيم إيل سونج "الثالوث الأقدس" على حد قولها.

ويرى كثيرون أن كوريا الشمالية "معزولة" و"متخلفة"، وبالتالي غير قادرة على امتلاك الموارد البشرية والمادية للقيام بنشاط خطير على الإنترنت. ولكن الواقع مختلف. فمن بين كل 12 من الكوريين الشماليين يمتلك واحد على الأقل هاتفاً ذكياً، ولا يستخدمه من باب التظاهر فحسب. كما أن لديهم إمكانية الوصول إلى شبكة الجيل الثالث (3G) التي يديرها مشروع مشترك بين شركة أوراسكوم، المصرية، والحكومة الكورية الشمالية. وتحتفظ أوراسكوم بعدد من المشتركين في كوريا الشمالية، يصل إلى حوالي مليوني شخص. وكما يحدث في البلدان النامية الأخرى، غالباً ما تتشارك العائلة والجيران في الأشياء الثمينة، لذلك قد يصل المستخدمون إلى أكثر من مليوني نسمة. ولدى بيونج يانج أيضاً القدرة على تشويش إرسال الأقمار الصناعية (GPS). وتقوم الحكومة بتدريب الآلاف من الشباب والطلاب الأذكياء في الرياضيات والهندسة والمجالات ذات الصلة بما يُشكل قوة قوامها نحو 5 آلاف و900 من "محاربي" الفضاء الإلكتروني. ويحصل أفضلهم على تدريب إضافي في الصين وروسيا.

وتوضح كاثرين أن قضية سوني شملت مجموعة متطورة جداً ومعقدة، تستخدم أجهزة الكمبيوتر في سنغافورة وتايلاند وإيطاليا وبولندا وقبرص وأماكن أخرى. ويقدر أحد الخبراء أن الاختراق وسرقة نحو 100 تيرا بايت من البيانات، ربما استغرق شهوراً، أو حتى سنوات دون أن يلاحظ أحد. وأوضح أنه يشك في أن تكون البنية التحتية الإلكترونية في كوريا الشمالية قادرة على دعم مثل هذه المهمة الضخمة. ولكن ترى أن الغالبية العظمى من الهجمات الإلكترونية بدأت من داخل الصين، ويعمل الكوريون الشماليون مع شركات وهمية.

ومع الوقت تتكشف القصة، ويدور الكلام حول ما إذا كان ينبغي على الحكومة الأميركية أن ترد، وما هي طبيعة هذا الرد. واعتبر البعض الهجمات "السيبرانية" على سوني عملاً من أعمال الإرهاب ضد الولايات المتحدة، وبالتالي، يستدعى ذلك إعلان الحرب على كوريا الشمالية. وتحدث آخرون عن ضرورة القيام بهجمات إلكترونية انتقامية. ولا يزال البعض الآخر يتحدث عن زيادة تشديد العقوبات الاقتصادية على النظام الكوري الشمالي، في حين ترى فئة أخرى أن تطلب واشنطن من بكين المساعدة في كبح جماح بيونج يانج.

ولكن تبيِّن الكاتبة أن أياً من هذه الخيارات ليس منطقياً في هذه المرحلة. وفقاً لما يلي: أولاً، لأن إعلان الحرب عمل خطير حتى لو كان لدى الولايات المتحدة دليل لا جدال فيه. وعلاوة على ذلك، فإن قواعد الناتو (والولايات المتحدة جزء منه) تضع تعريفاً للعمل الذي يُعد من أعمال الحرب الإلكترونية التي تتطلب رداً عسكرياً وهو "عملية الإنترنت، سواء كانت هجومية أو دفاعية، التي من المتوقع أن تسبب الإصابة أو الوفاة للأشخاص أو ضررا أو دمارا للكائنات". وإذا لم تشن الولايات المتحدة الحرب على الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، فلن تهزم سوني بالتأكيد. وثانياً، عند القيام بانتقام من نفس النوع قد يؤدي إلى التصعيد الدولي أو سباق تسلح الإنترنت. إلى جانب أن قطاع نظم الاتصال عند كوريا الشمالية يمكن أن تكون له تأثيرات غير مرغوب فيها في الأفراد الكوريين الشماليين الذين يضحون بحياتهم من أجل التواصل مع العالم الخارجي عبر شبكة الإنترنت والاتصالات الخلوية في تحد للنظام.

أما عن العقوبات الاقتصادية؛ فيوجد بالفعل مجموعة واسعة من هذه العقوبات. كما أنه يصعب فرض عقوبات تستهدف الاتصالات السيبرانية في كوريا الشمالية، حيث إنها غالباً ما تدار من خارج البلاد. وبالنسبة لطلب المساعدة من الصين، فهو احتمال لا يمكن الاعتماد عليه، حيث تحقق مصادر الحكومة الأميركية في احتمال أن تكون الصين، وكذلك روسيا وربما إيران، قد ساعدت كوريا الشمالية. وقد استخدمت البلدان الثلاثة أنواعاً مماثلة من البرامج في الهجمات الإلكترونية. ومن ثم فسيكون من الصعب التحكم لاحتمالية تعدد الأطراف الفاعلة.

وتشير كاثرين إلى التقارير الإعلامية الأخيرة، والتي اعتمدت على رسائل إلكترونية تم تسريبها من بريد سوني الإلكتروني خلال اختراق 24 نوفمبر، حيث أوضحت نصوصها أن مسؤولين بالحكومة الأميركية شهدوا مقاطع من الفيلم الخام في يونيو واطلعوا على المشهد العنيف الذي تم فيه تفجير كيم يونج أون. ويقول البعض إن المسؤولين أبدوا مباركتهم الضمنية.

وفي النهاية تنظر الكاتبة إلى حق حرية التعبير، حيث رأت أن التصرف الأنسب الذي ينبغي على الأميركيين القيام به الآن، كمستهلكين، أن يشاهدوا الفيلم، حتى يتمكنوا من دعم حقهم في حرية التعبير. ويمكن أيضاً المطالبة بأن تؤدي أستوديوهات السينما خدمة عامة عن طريق الحد من العنف غير المبرر في الأفلام. وعندما تتوفر المزيد من الحقائق حول اختراق سوني وعن تهديدها، يُمكن بعد ذلك النظر في ما ينبغي أن يكون رداً رسمياً مناسباً. فربما يمثل الاندفاع في رد الفعل إنقاذاً سريعاً في الأفلام السينمائية، ولكن ليس بالضرورة في الجغرافيا السياسية.