لم يكن غريبا أن تلعب التكنولوجيا الحديثة دورا فاعلا في التعرف على هوية منفذي الهجوم المسلح على مقر صحيفة شارلى إيبدو الفرنسية، فلم تكد تمر ساعات قليلة على وقوع الحادث، حتى بث نشطاء مقطع فيديو يظهر شخصين وهما يطلقان النار على هدف أمامهما.
وجاء بث المقطع ليؤكد من جديد أهمية التكنولوجيا في مجال مكافحة الجريمة، بداية من استخدام الطائرات الآلية الصغيرة التي تفض المظاهرات، أو النظارات المتطورة لرجال الشرطة التي تساعدهم على تعقب حركة المجرمين، فضلاً عما قامت به وحدة البحوث العسكرية الأميركية "دابرا"، التي صنعت ما يوصف بـ"الرجل الحديدي"، وهو آلة بيانات ذاتية التحكم أشبه بما نراها في الأفلام، مهمتها تحليل كل أشكال الجريمة، ورصد الأسلحة، وكذلك الكاميرات الذكية التي بلغت كلفة تطويرها حتى نهاية العام الماضي 23.5 مليار دولار، وذلك في ظل سعي الاتحاد الأوروبي إلى تسخير تلك الكاميرات في مكافحة الجريمة قبل حدوثها عن طريق توقع سلوك المجرمين.
استغل الاتحاد الأوروبي الفكرة التي بدأتها شركة "جوجل"، وعملت على تطويرها شركة "ميتا" الأميركية من خلال تزويدها بمعالج خماسي وأداة صغيرة من أجل التحكم عن بعد أثناء الحركة، بما يعطي معلومات كافية للشرطي كي يحدد المجرم وسط الزحام، أو أثناء مطاردته.
وتعمل وكالة الأمن القومي الأميركي "NSA" على الحواسب الكمية لتصنيع أجهزة كمبيوتر بوسعها اختراق أي نظام مشفر، وأنفقت الولايات المتحدة على تطوير هذه الأجهزة 80 مليون دولار حتى الآن دون أن تنتج آلة جاهزة للعمل بعد.
ويشير تقرير منشور على موقع شركة "هلب سوفت للبرمجيات"، إلى أن الأجهزة الأمنية في العالم تستخدم برمجيات تتوقع الجريمة وتخبر رجال الشرطة متى وأين ستحدث، وبدأت قوات الشرطة الأميركية في استخدام برمجيات "بريد بول" التي تتوقع الجريمة وما يمكن أن يحدث بعدها من دمار، حيث يقوم البرنامج بحساب التوقعات على أساس الزمن وموقع الجرائم السابقة، جنبا إلى جنب مع معلومات حول السلوك الإجرامي والأنماط الخاصة ببعض المجرمين بحيث يكون التوقع صحيحا.
وتعتمد الأجهزة الأمنية أيضا على ميكروفونات تعرف بـ"شوت سبوتر"، توضع في جميع أنحاء المدن للكشف عن الطلق الناري وتحدد موقعه من على مسافة 40 إلى 50 قدما، كما تؤكد لرجال الشرطة من الذي أطلق النار.
هذه الأجهزة تفيد بشكل خاص في المناطق التي يتم إطلاق النار فيها بشكلِ متكرر ولا يوجد شهود، عندما يستشعر النظام إطلاق النار يرسل تنبيها إلى مركز وحدات الطوارئ المتنقلة في سيارات الشرطة.
فضلا عن ذلك تعتمد شركات الأمن على كاميرات ذكية تتعرف على الناس أثناء المشي، حيث نجح معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" في تطوير حساسات تتمكن من قراءة نبض الناس وهم يمشون، وهو ما يمكن الشرطة من مراقبة المجرمين في الحجز وأثناء الاستجواب، إذ يتم تزويد الكاميرات ببرنامج يسمح بتسجيل أصغر حركات عضلات العين أو الحركات غير الإرادية، ومن الممكن وضع هذه البرمجيات في الأجهزة المحمولة، مثل الهواتف الذكية، بحيث يمكن رؤية نبضات قلب من يوجدون في موقع الحادث.
ويضيف التقرير أن "الأمر لم يتوقف عند حدود مرحلة التحريات، وإنما يمتد إلى التحقيقات، وذلك عن طريق الاعتماد على خوذة تعرف باسم "فيريتاس"، قادرة على معرفة ما إذا كان الشخص يقول الحقيقة، وهل ارتكب جريمة أم لا، إذ إنها مزودة بأجهزة استشعار تراقب نشاط الدماغ وتعمل عن طريق جمع وميض الصور من مسرح الجريمة، وتبحث عن تغييرات صغيرة في دماغ المشتبه فيه، ويمكن استخدامها في مجال القانون والمحاكمات الجنائية لقراءة عقل المجرم".
ويقول الخبير الأمني العميد محمود قطري، لـ"الوطن"، إن "التكنولوجيا الذكية أصبحت تلعب دورا بارزا في مجال مكافحة الجريمة، إذ يتيح نظام الدوائر التلفزيونية المغلقة عرضا لتسجيل الكاميرات، والرجوع إلى أحداث معينة محفوظة لفترة من الزمن، لكن غالبا ما تواجه كاميرات المراقبة الليلية تحديدا مشكلات في جودة الصورة ونقاء الصوت، وهنا تأتي مهمة محلل الصورة الجنائي، الذي تبدأ أولى مهماته باستخدام برامج حديثة لتنقية الصورة، ثم تقويتها لتجعل ما تعرضه الشاشة ذا معنى ومغزى".
وأضاف أن "التطور الكبير في تقنية كاميرات الفيديو والهواتف ذات الكاميرات التي يمكنها التسجيل بالصوت والصورة ساعد على الانتشار الواسع لهذه التقنية، مما يجعل الشرطة في بعض الحالات أمام كم هائل من الشرائط المصورة التي يجب تحليلها".
وأضاف العميد قطري أن "تكنولوجيا التصوير الحراري ساعدت رجال شرطة مدينة بوسطن الأميركية على القبض على الشيشاني "جوهر تسارنيف"، المتهم الثاني في التفجيرات التي وقعت في أبريل 2013، إذ يعد من أحدث أساليب البحث الجنائي العالمية، التي تستطيع الكشف عن الأجسام التي تصدر عنها الحرارة داخل منزل أو سيارة، أو داخل قارب.