حين تم دمج فرعي جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود لتأسيس جامعة الملك خالد في أبها كنت ضمن لجنة عمداء الجامعة برئاسة وكيلها للدراسات العليا، الذين كانوا يقومون بمناقشة الاقتراحات للخطط الدراسية القادمة من الكليات والأقسام إلى اللجنة.
وكانت قضية عدم الثقة والشك حاصلة، حتى فهم بعضنا البعض وزال الشك، وبحكم وجودي عميدا لكلية التربية وضعنا معايير تربوية نتيجة التغيير في الخطط الدراسية بحيث لا يعمل في التدريس إلا من يكون قد حصل على تقدير جيد جدا في كليته، ثم يعد بعدها في الدبلوم التربوي لمدة عام، وعندها رفضت كلية الشريعة أن تقبل بهذا فهي ترى أنها تخرج خريجيها وهم تربويون بست ساعات تربوية فقط، بينما الدبلوم التربوي 28 ساعة. وبعد جدل كبير قررت كلية الشريعة أن تدمج الدبلوم في خطتها الدراسية حتى تخرج خريجيها تربويين، وكنا قد طلبنا من وزارة التربية أن توافينا بالاحتياج من أساتذة التربية الإسلامية فأفادونا بعدم حاجتهم لعدة سنوات قادمة لكثرة طلبات التوظيف من خريجي كليات الشريعة.
وحيث إن مقررات الشريعة وساعاتها قبل الدمج كثيرة وبالتالي يتعين عليها التخلص من بعض المقررات لتكون الساعات المعتمدة مماثلة إلى حد ما للكليات العلمية الأخرى! وهنا وقعت كلية الشريعة في المحذور، فقد ألغت بعض مقررات اللغة العربية وغيرها من المقررات وأدخلت مقررات الدبلوم التربوي ليتخرج خريج كلية الشريعة تربويا خلال أربع سنوات، وقد تحفظنا على هذه الخطة للتاريخ لعدة أسباب، وهي أن الطلاب سواسية ولا يمكن التمييز بين طلاب الشريعة وطلاب الكليات الأخرى، ثم لا حاجة لتخريج هذا الكم الهائل من خريجي الشريعة لأنه لا مكان لهم في سوق العمل، وهذا يعزز البطالة، وثانيا أن الخطة الدراسية أصبحت ضعيفة بعد حذف بعض المقررات وإدخال مقررات الدبلوم التربوي، والتفسير وغيره من مقررات الشريعة تعتمد على اللغة العربية، لهذا فقد نتج خلل كبير في إعداد طلاب الشريعة من الناحية العلمية، وهم أشبه بكليات المعلمين أو التربية في النظام التكاملي.
وقد حاول مدير الجامعة والوزير ثنيهم عن هذا التوجه ولكن العناد كان سيد الموقف، ولهذا تحفظنا على خطة كلية الشريعة بتلك الصيغة الهشة لعدة أسباب، منها ضعف الخطة الدراسية، وتخريج طلاب غير مؤهلين في الشريعة بالشكل الذي يرقى إلى مستوى تخريج كوادر شرعية مؤهلة وقادرة على استيعاب العلوم الشرعية التي يعجز أمامها العلماء، وثالثا، أن الجامعات جميعها قد ارتكبت أخطاء في التخطيط لبناء المواطن والمجتمع، ونظرت لطالب الطب والهندسة بأنه أهم من طالب الشريعة واللغة العربية والتربية، وتم عكس المعادلة وأصبح أضعف المتقدمين معدلات في الثانوية يدخلون في كلية الشريعة واللغة العربية، لأنها لا تحتاج إلى معامل ومختبرات، وتعد في نظر الجامعات كليات نظرية غير مهمة، وهنا لب المشكلة.
لأن المواطنة والهوية والمرجعيات مرتبطة بالشريعة واللغة العربية لهذا يوجد ضعف شديد في هذه الكليات، نتيجة ضعف معدلات الطلاب والخطط الدراسية وسيطرة بعض الأساتذة على أقسام اللغة العربية، وتهميش النحو وقواعد اللغة، وأيضا عدم اهتمام أو قدرة أقسام اللغة العربية على تطوير أساليب تدريس وتعليم وتعلم اللغة العربية، والمشكلة نفسها أيضا في أقسام الشريعة. لقد تخرج طلاب من الشريعة غير متمكنين من العلم الشرعي وأصبح بعضهم يشكك في قدرة وكفاءة العلماء وينظر إليهم بنظرة غير راضية. والخلل يبدأ من سياسية القبول في الجامعات حيث تقبل كليات الشريعة واللغة العربية أضعف الطلاب تحصيلا ممن لا يستوعبون كثيرا من العلوم الشرعية واللغوية التي كان يتخصص فيها العلماء الجهابذة.
ومن هنا سوف يضعف الدين واللغة بضعف هؤلاء الخريجين الذين سيكون من بينهم علماء الشريعة واللغة في المستقبل، وسوف لا يجدون سلاحا علميا لمواجهة المستجدات وقضايا العصر التي تحتاج إلى طاقات عقلية كبيرة سوى الإقصاء كما يحصل اليوم من تبادل الفتاوى والاتهامات. وهذا يضر بالوحدة الوطنية والسلم الأهلي واستقرار الدولة وسيادتها، ويؤزم الحالة الاجتماعية نتيجة ضعف العلم الشرعي عند خريج الشريعة غير القادر على مواجهة التحديات بالعلم والعقل والحكمة.
ومن هنا نقترح مراجعة خطط الجامعات والتركيز أكثر على كليات الشريعة واللغة العربية والتربية لأنها هي المسؤولة عن تشكيل الوعي الديني وإعداد المواطن الصالح والوحدة الوطنية وإعادة إنتاج المجتمع، بحيث تحدد أعداد قليلة ممن يقبل في كلية الشريعة من النخبة المميزة من خريجي الثانوية وليس من أضعف الطلاب الذين يتخرجون بمقبول وجيد ويبتلون المجتمع والدولة بفهمهم القاصر للدين ومقاصد الشريعة، ويتحولون إلى فرقة من المكفرين للمجتمع. وهذا أمر ملح كتبت وكتب عنه عميد كلية الشريعة في القصيم سابقا.
أما كليات اللغة العربية فلها مستقبل كبير ولخريجيها في ظل الوعي الكبير بواقع اللغة العربية، ولكن يجب عليها أن تراجع خططها ومعايير القبول ونوعية المقررات، بدلا من أن تركز على المقرر، حيث توضع الخطط الدراسية على مقاس الأساتذة وبالتالي تضعف الخطط الدراسية، ويضعف في المقابل الخريجون، هذا بالإضافة إلى وجوب توسع كليات اللغة العربية في تعليم وتدريس اللغة العربية لجميع الكليات والتخصصات، واعتماد اختبار تحديد المستوى والكفاءة اللغوية لمن يدخل الجامعات من أساتذة وطلاب.