تروي لنا كتب التاريخ كيف شنت الجيوش الصليبية حملاتها العسكرية لمحاربة الإسلام، من أجل بسط نفوذها على الأراضي المقدسة في فلسطين، وكيف أنها في طريقها إلى تحقيق ذلك ارتكبت كل الجرائم الممكنة في حق الأرض والبشر.
كما روت لنا كيف أن الكنيسة التي خططت ومولت تلك الحروب جندت عددا كبيرا من المرتزقة وأمراء الحرب الذين لبسوا الدين وصاغوا خطابهم الثوري من أجل تجييش المؤمنين من أبناء الدول التي كان يحكمها ملوك وعائلات مسيحية.
تقول كتبنا إنها حاربت الإسلام بينما تقول بعض كتبهم إنهم حاربوا من أجل الكنوز التي طمستها الزمان تحت أنقاض المدينة العتيقة، منها المذهب ومنها المخطوط في كتب السحر اليهودي الذي يخبئ أسرار وطلاسم تمنح عارفها مفاتيح حكم العالم، وهناك من قال إن تلك الحروب لم تكن أكثر من هيمنة سياسية لطرف على آخر في عالم لا يعترف إلا بقوة السلاح وهيمنة القوي.
بعد أحداث سبتمبر، أعلن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن أن حربهم على الإرهاب ما هي إلا حرب صليبية جديدة، وزعماء القاعدة ومن أتى بعدهم يكررون الأسطوانة ذاتها، فحرب الأديان اليوم أصبحت السمة التي تغلب على المشهد السياسي الدولي من شرقه حتى غربه، وما نراه ونسمعه من جيوش الدواعش والقاعدة ما هي إلا امتداد لتلك الحروب التي تشن باسم الدين والدين منه براء.
ما زلت لا أفهم كيف يكون الدين الإسلامي، ابتداء من اسمه مرورا بكل تعاليمه، داعيا إلى العنف والقتال والتنكيل، وكيف يمكن التصديق بمبررات الإرهابيين التي تساق بكل فجاجه وتنسب إلى الدين، كيف يمكن أن يكون الدين الذي أنزله الله رحمة للعالمين وسيلتهم في قتل وترويع البشر، وأسلوبا مقيتا في تشويه تعاليمه وشرائعه.
الجريمة الحقيقية لم تكن أبدا في الدين بل في المجرمين الذين اختطفوه بفعل تكاسلنا وتخاذلنا في تطبيقه بالشكل الصحيح، فقدم تطبيق النهي عما يراه المختلفون منكرا على الأمر بالمعروف الساعي إلى بسط سماحة الدين والدعوة إليه بالإحسان، ليتحول شرع الله العادل إلى آلية يطبقها كل من أراد وفق هواه وتفسيره الملتوي المؤدلج.
الحروب الصليبية كانت البداية الفعلية لزوال هيمنة الكنيسة على أتباعها، وذلك بفعل استغلالها المشين للدين لتنفيذ أجندات توسعية وربحية محدودة، واليوم ندعو الله أن ينقذ ديننا الحنيف قبل أن يمضي في طريق الانحسار والتضييق عليه، فالتاريخ له مسار عجيب في إعادة نفسه، فلنعِ قبل فوات الأوان.