وصلني هذا الخبر في الأسبوع الماضي ولأهميته أورد في مقالتي أهم ما جاء فيه:

في ظل الأنباء المسيئة عن قيام متعصبين متطرفين بمحاولات إحراق نسخ من المصحف الكريم في الولايات المتحدة كانت هناك ومنذ أشهر رؤية أخرى للعلاقات المسيحية الإسلامية في الولايات المتحدة. فقد قام المسلمون الأمريكيون - بينهم نسبة كبيرة من المثقفين السوريين- في ضاحية "جرودوفا" قرب مدينة "ممفيس" في ولاية "تينيسي" في الولايات المتحدة الأمريكية بشراء قطعة أرض تبلغ مساحتها حوالي مئة وعشرين ألف متر مربع لبناء مركز إسلامي عليها. يحوي المركز مسجدا ومكتبة ودارا للمسنين ومقبرة إسلامية ومركزا ثقافيا وقاعة مؤتمرات وقد قاربت تكلفته سبعة ملايين دولار جُمعت من تبرعات المسلمين الأمريكيين. يفصل البناء عن كنيسة "هارت سونغ" شارع فقط، ما إن بدأت أعمال البناء حتى قام القائمون على الكنيسة المجاورة بوضع لوحة كبيرة كتب عليها (كنيسة هارت سونغ ترحب بمركز ممفيس الإسلامي في جوارنا).

اجتهد القائمون على بناء المركز الإسلامي في أن يتموا أعمال البناء قبل قدوم شهر رمضان لكن تداركهم الوقت ولم يستطيعوا ذلك، فطلبوا من جيرانهم أن يقيموا الصلوات الجماعية خلال شهر رمضان المبارك في بهو الكنيسة الرئيس. رحب بهم جيرانهم المسيحيون وفتحوا أبواب كنيستهم لإقامة صلاة التراويح طوال أيام شهر رمضان الفضيل. غطت عدة قنوات تلفزيونية رئيسية أمريكية هذا الحدث والتقت مع القائمين على الكنيسة والقائمين على المركز الإسلامي في لقاءات مطولة. القس ستيفن ستون راعي كنيسة "هارت سونغ" صرح لوسائل الإعلام الأمريكية قائلا: في البداية عندما سمعنا بمشروع بناء مركز إسلامي قربنا شعرت ببعض التوتر ولكنني أدركت بأن ذلك مرده للجهل.. غيرنا رأينا بسرعة وعلقنا لوحة ترحيبية بجيراننا الجدد؛ إنهم جيراننا على الطرف المقابل من الطريق.. ونحن نتبع المسيح الذي علمنا أن نحب جيراننا.. وعلمنا أن كل الناس جيراننا فما بالك بجيراننا على الرصيف المقابل. طلب منا المسلمون إقامة صلاتهم في الكنيسة في رمضان كون مبناهم لم ينته بعد.. الحقيقة البسيطة بالنسبة لنا أنهم جيران.. والأمر لاعلاقة له بالسياسة؛ الأمر متعلق بهؤلاء الناس الذين جاورونا ووجدناهم محبين وممتنين وطيبين. سألني الكثيرون كيف تفعل ذلك؟ نظرت في وجوههم وأجبت: إننا نحب جيراننا.. إحدى القائمات على الكنيسة قالت: أعتقد أنني سوف أنضج شخصيتي وأتقبل حقيقة أن لديهم هم أيضا عقيدة وإن كانت ليست ذات عقيدتي.

تعليقات بعض القائمين على المركز الإسلامي لوسائل إعلام أمريكية كانت كما يلي: لدينا العديد من المرحبين بنا ..أهم ما في الأمر أن الناس هنا فكروا على الشكل التالي: "ربما تكون مختلفاً عني وربما نختلف بالديانات ولكن في الوقت ذاته أنا أعرف بأنك لست كما تم إيصاله لي من معلومات"، "شكرا لأنكم أظهرتهم روح الله المحبة.. افتحوا أبوابكم وقلوبكم وستكتشفون أننا متشابهون جدا"، وقال أحد المغتربين السوريين ممن شاركوا في إقامة المركز والصلاة في الكنيسة: استقبلنا جيراننا المسيحيون بالترحاب على باب الكنيسة يوميا وفي نهاية شهر رمضان أقاموا احتفالا لنا؛ احتضن فيه إمام الصلاة القس راعي الأبرشية وعندما قدمنا لهم الورود امتنانا وعرفانا دمعت أعين بعضهم؛ وتابع المغترب السوري: كنا عقيدتين تؤمنان بإله واحد تحت سقف واحد .. وعندما يفتتح مبنى المركز الإسلامي سيجد الإخوة والأخوات المسيحيون كل الترحيب فيه كما وجدنا كل الترحيب لديهم.

ألا يذكرنا هذا الخبر الجميل بالعهد النبوي عندما جاء نصارى نجران إلى المدينة المنورة وأقاموا صلاتهم في المسجد النبوي متوجهين إلى الشرق كما هي تعاليم عقيدتهم، بينما أقام المسلمون صلاتهم في نفس المسجد متجهين إلى القبلة، في نفس الفترة قام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم باستقبال كبار نصارى نجران وفرش رداءه على الأرض ليجلسوا عليه؛ ولا ننسى الصحيفة التي وضعها في البداية كدستور للتعامل بين المسلمين وغيرهم حيث اعتبر يهود المدينة من ضمن النسيج المدني، وكذلك معاملته لجاره اليهودي وعيادته له في مرضه واستدانته من يهودي آخر حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام توفي ودرعه مرهونة لديه، وقد طرحت سؤالا في مقالة سابقة مفاده: إن كان هناك أغنياء من الصحابة رضوان الله عليهم يفدون النبي عليه الصلاة والسلام بأموالهم وأرواحهم – كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان – فلماذا فضّل أن يستدين من يهودي سوى كي تكون سنة من بعده وأن غير المسلمين هم بمثابة الألوان التي تغني اللوحة كي يظهر التنوع والاختلاف والتقبل والتحمل والتعايش وكل ما هو جميل وإنساني وأصيل وفطري.

لا ننسى أن خادم الحرمين الشريفين هو راعي هذا الاختلاف وقد دعا للحوار بين الأديان من أجل كرامة الإنسان ومن أجل عدم استشراء الإلحاد في النفوس، هذا الإلحاد الذي يلمسه كل مقيم في الغرب – خاصة أوروبا – والذي بدأت أنيابه تطال أولادنا ليس في المغترب فحسب بل في بلادنا الأصلية، وقد صارحني كثيرون ممن اتجهوا للإلحاد أنهم يعتقدون أن الدين هو سبب الحروب في العالم ولذلك فضلوا التخلي عنه، وبالطبع هم مخطئون لأن السياسة هي التي تستغل الدين لتحقق أهدافها في التوسع والتحكم والسيطرة.

لذلك لا يستطيع العاقل الذي يخشى على الجيل القادم من التعصب والتطرف أو من الإلحاد والشرك سوى أن يضم صوته إلى الأصوات المنتقدة التي طالت دروس منهج "الفقه والسلوك" للصف الأول الابتدائي، وخصوصا الدرس الثالث الذي يأتي تحت عنوان "السلام"، والذي يقصر التحية على المسلمين فقط؛ على أنه يؤجج "العنصرية" ضد غير المسلمين، ويغرس كراهية "الغير" في نفوس الطلاب، وهو ما يعارض منهج "الاعتدال السعودي" الذي تسعى الدولة جاهدة لتكريسه في نفوس الناشئة.