مدينة الرياض عاصمة جميلة فسيحة منظمة بما فيها المطار بـ31 مخرجا و62 حيا، محظوظ من سكن فيها، عظيم من رزق فيها، والرزق فيها وفير، والحياة رخيصة، والبنزين أرخص من الماء مما يبكي عليه الطليان والجرمان والكنديون.

 تقريبا كل شيء فيها جميل إلا ازدحام الطرقات، ويظهر ذلك مع كبس الأمطار، وسيزيدها اختناقا فهي عاصمة محببة مرغوبة، يحسد عليها من كتب له القدر فسكن فيها، أو لنقل يغبط!

 وبين يدي كتاب أقرؤه كتبه رفاعة الطهطاوي المصري بعنوان (تخليص الإبريز في تلخيص باريز) أوالديوان النفيس بإيوان باريس، أول مايذكر فيه أن الأمطار كثيرة والمجاري وفيرة والبلاليع أكثر (مصرفات المياه الصحية) فلا تختنق بماء، ولا تتعفن برطوبة، وهذا الكلام كتبه الرجل قبل حوالي القرنين مع مطلع القرن التاسع عشر، ونحن حاليا مع مطلع القرن الواحد والعشرين، فكيف يجري الاستعداد في الرياض لاستقبال القرن الثاني والعشرين، كما ذكر ذلك باول كينيدي وهو يستعرض الأرض في كتابه الموسوم الاستعداد للقرن الواحد والعشرين.

 الرياض عاصمة الملك ولب الدولة وقلب الأمة ودست الحكم ومركز الثقل وموضع القرارات، فهي للجسد مثل القلب، وللبدن مثل العقل والدماغ، ستبقى وتكبر ويزداد عدد سكانها وربما تجاوز العشرين مليونا مع القرن الثاني والعشرين.

 والسؤال الاستراتيجي هو ماذا سيحصل للطرقات، التي أراها لم تعد سريعة بل بطيئة، فأنا رجل أدور الرياض كل يوم في كل الطرق السريعة بعد أن حفظت المخرج  الواحد الملك خالد، وانتهاء بالمخرج 31 ابن حزم وما بينهما مخرج سبعة عثمان بن عفان، وستة مخرج أبي بكر الصديق، و16 عمر بن الخطاب، و13 خريص، و8 المطار مع الدمام في شوكة ثلاثية يخرج منها الخرج.

 أو في نهاية امتداد طريق الملك فهد من الشمال للجنوب حيث ينتهي مرة أخرى بالشوكة الثلاثية الخرج وديراب ومكة.

 والعجاجي حفظه الله صاحب العقارات الموفق، هو من أعطاني خريطة الرياض ففهمتها وشكرته عليها، ووزعت نسخها للكثير، وهم يتعجبون من حفظي للرياض، قلت لهم لأنها مدينة عصرية منظمة رائعة، تليق بمكان الحكم والدولة، وألمانيا أعرفها مثل كفي، لأن الألمان قوم يعشقون النظام والتفصيلات والدقة والجمال، فلكل ضيعة خريطة، وكل مدينة صغيرة تفصيلات مبسطة لا يحتاج فيها المرء للسؤال؛ فلا تضيع ولو لم تتقن حرفا ألمانيًا.

 والحاصل فالرياض جميلة منظمة بديعة... ولكن الدخول إلى طريق الملك فهد مثلا يعني الصبر والصبر الجميل!! فهو مزدحم في كل ساعة، عامر بالناس في 24 ساعة، وربما يفرغ قليلا بين الساعتين الثانية والخامسة صباحاً. وأسأل دوما من حولي كيف تجدون الحل لمشكلة طريق الملك فهد شمال جنوب؟ فيحك كل واحد رأسه عن الحل؟

 وربما كانت هناك عشرة حلول، ولكن أربعة منها هي الأبرز فما هي؟

 الأول يقترب من الاستحالة؟ والثاني مكلف بقدر الجبال الشامخات، والثالث سهل ممتنع، والرابع معقول لو تم تطبيقه؟

 وتأتي اقتراحات جانبية توصل الحلول إلى عشرة؟

 لنستعرض الحلول الأولى؟

 الأول أن يبنى فوق الطريق طريق ؟ هذه المرة بسبعة مسارات في كل اتجاه؟ وهو كما نرى قريب من المستحيل؟

 الثاني بناء مترو تحت الأرض، وهذا سيأخذ من العمل ربما عشرين عاما، إذا كان طريق الملك عبدالله قد أخذ سنتين حتى الآن ولم ينته؟

 والحل الثالث السهل الممتنع هو تجنب طريق الملك فهد جملة وتفصيلا، فمن دخله علق، ومن سلكه عليه الصبر والصبر الجميل فلا يفقد أعصابه، وليعط لنفسه وقتا طويلا، وربما كان من الحكمة أن يشغل نفسه بموسيقى هادئة ومذاكرة نافعة وعرض كتاب وسماع أخبار.

 وأما الحل الرابع المعقول فربما كان في جعل طريق الملك فهد باتجاه واحد، يدمج الطرفان معا بثمانية مسارات، بينهما قطار لنقل الجحافل البشرية..

 وتكون العودة كذلك باتجاه واحد من طريق التخصصي والعليا وما جاورهما؟ فما رأيكم يامخططي الشوارع ومهندسي المستقبل؟

 قلت ما قلت ولست الخبير بل الجاهل في هذا الفن، ولكن من جملة الذين يعانون من الاختناق المروي كل يوم، وفي قناعتي أن عند من يشرف على الطرقات من الرؤية الاستراتيجية ما يخطط لاستقبال القرن القادم، فإن لم يكن؛ فلتكن أمام عينيه إذن الرؤية الاستراتيجية.

 وهذا الكلام ينطبق أيضا على بدائل الطاقة؛ فعصر البترول نافد، وما عندكم ينفد وما عند الله باق، وبين يدي حاليا بحث من مجلة در شبيجل الألمانية عن طاقة المستقبل، أنهم سيعتمدون على طاقة هواء البحار بالعنفات التي تولد الكهرباء وسواه، بما يكفل لهم عام 2020 ثلث الطاقة التي يحتاجونها؛  فلنفتح أعيننا إن كانت مغمضة، ولنستيقظ إن كنا نياما. فالموضوع لايتحمل، وذرارينا سيدفعون الثمن مضاعفا مركبا.