بعد صدور الأمر السامي بدمج وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم في وزارة واحدة بمسمى جديد هو وزارة التعليم، وتعيين معالي الدكتور عزام الدخيل وزيرا لها، كانت هناك ردود فعل متباينة لدى كثير من أفراد المجتمع حيال الدمج بين الوزارتين، وكل فئة لديها وجهة نظرها، وتبريراتها حيال الموضوع.
في الواقع، إن عملية الدمج بين مؤسساتنا ووزاراتنا ليست بالجديدة، فهناك مؤسسات ووزارات دُمجت مع وزارات أخرى، أو فُصلت عن بعض، وكانت تجارب في الغالب ناجحة، فقد تم دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات مع وزارة المعارف سابقا، وكانت تجربة لها معطياتها في ذلك الوقت، كما تم دمج كليات المعلمين، وكليات البنات مع وزارة التعليم العالي، وكانت أيضا تجربة لها جوانب إيجابية، وتم استيعاب هذه الكليات في مختلف الجامعات التي ألحقت بها بيسر وسهولة.
والتباين في وجهات النظر حيال دمج وزارتي التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم تحت مظلة وزارة التعليم شيء طبيعي، وهو نتيجة للتخوف من التغيير، أو التطوير في كثير من الأوقات، مع أن التجارب السابقة في هذا المجال ناجحة بدرجات كبيرة، وكان المؤيدون للقرار يرون أهمية توحيد الجهة المسؤولة عن التعليم بمختلف مراحله، كما يرون أن هذا التوجه سيعمل على ردم الفجوة التي بين التعليم العام والتعليم العالي، وسيعمل على حل كثير من المشكلات التعليمية، والتربوية والتعليمية التي تعاني منها كلا الوزارتين، وسيؤدي هذا الدمج إلى سهولة ومرونة القرارات التي يتم اتخاذها فيما يتعلق بالجوانب التطويرية، أما المتوجسون من الدمج فلديهم تخوف من أن الوزارة ستكون أكبر الوزارات، وستكون متضخمة بدرجة كبيرة، ولن يكون هناك تركيز على أولويات التعليم، وسيكون هناك تشتت للجهود، وغير ذلك من الأسباب التي يرونها ويتوقعونها.
وهنا أرى أن هذا التوجس قد لا يكون واقعيا في أغلب جوانبه، ويجب أن يكون هناك نوع من التفاؤل والتريث حيال الحكم على بعض الجوانب التطويرية التي يتم اتخاذها.
أما الفئة الثالثة، فلديها خوف مما سيؤول إليه أمر هاتين الوزارتين بعد الدمج، لأنهم يرون أن هذه الوزارة مسؤولة عن تعليم وتربية وتنمية شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، وليس لديهم تصور عما سيكون عليه الوضع في وزارة التعليم بعد الدمج،
وفي هذا المجال أرى أن الصورة ستكون أكثر وضوحا بعدما يتم عمل كثير من الإجراءات التنظيمية، والتطويرية التي تتطلبها عملية الدمج، والإعلان عنها، ومن وجهة نظري قد يكون من المناسب أن تتم عملية الدمج وفق آليات وإجراءات تتم على مراحل ووفق جدول زمني محدد، بحيث تأخذ عملية الدمج الوقت الذي تحتاجه.
هناك حاجة ملحة لتطوير خطة استراتيجية لوزارة التعليم للسنوات القادمة على أن يتم ذلك بناء على دراسة الواقع والتعرف على نقاط القوة ونقاط الضعف، ومن ثم تطوير الأهداف الاستراتيجية التي تعمل على تعزيز نقاط القوة، وحل المشكلات التي أدت إلى ظهور نقاط الضعف والسلبيات، ومن الضروري ألا يتم الاكتفاء بالخطة الاستراتيجية بعد تطويرها، ولا بد من العمل على إعداد المرحلة الثانية لها بحيث تشمل الجوانب التنفيذية بأبعادها المختلفة، كما أرى أن يشارك في مراحل هذه الخطة جميع منسوبي وزارة التعليم من قياديين وأعضاء هيئة تدريس ومعلمين وموظفين وطلاب وأولياء الأمور والمستفيدين من مخرجات التعليم في المجتمع.
الجانب الآخر المهم في هذه المرحلة، هو أن يكون هناك أولويات لدى الوزارة تعمل عليها وفق خطتها الاستراتيجية، وأرى أن ملف المعلم من أهم الملفات التي تحتاج إلى عناية خاصة، من ناحية اختياره قبل الإعداد، وإعداده في مؤسسات الإعداد، وتدريبه وهو في الميدان، والنظر في العبء التدريسي للمعلمين، والتخلص ممن لم يثبت وجوده، ونظرا لأن الوزارة بعد الدمج تعد أكبر وزارة، فقد يكون من المناسب أن يتم العمل على استقلال الجامعات ماليا وإداريا بشكل كامل بعدما يتم تطوير نظام الجامعات في ضوء هذا التوجه.
وحقيقة الأمر، فإن وزارة التعليم من الوزارات التي تهم كل أسرة، فهي المسؤولة عن تربية وتعليم أفراد المجتمع، ونجاحها في تحقيق أهدافها مطلب لنا جميعا، ونسأل الله التوفيق لمعالي وزير التعليم في عمله الجديد، وتوقعاتنا منه عالية، وطموحاتنا في تطوير التعليم بمختلف مراحله كبيرة.