"ليس في الموت شماتة"، هكذا قالت العرب الأولى في مأثور ذهب مثلا، لكن يبدو أن بعض عرب هذه الأيام قد نسوا تراثهم وعاداتهم الأصيلة، فقد حملت الأنباء الواردة من سورية، فيما حملت من مضحكات مبكيات؛ خبرا صغيرا مفاده أن بعض أنصار النظام السوري وبمجرد أن سمعوا نبأ وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بدؤوا بإطلاق زمامير السيارات فرحا وتشفيا.
منتظرة اختمار "الحزن الجليل" في صدور القراء العرب السعوديين الأعزاء؛ آثرت تأجيل التعليق على الخبر إلى اليوم.
لا يمكن تصنيف هذا الموقف إلا أنه موقف قميء، ومما يزيد في قماءة أصحابه أنهم عبروا بتصرفهم هذا عن جهل فاضح بتاريخ الراحل ومواقفه، خاصة في سورية، وبالتحديد من نظام الأسد الأب والأسد الابن حتى وقت قريب.
ربما لا يعلم هؤلاء أن الملك عبدالله - رحمه الله - كان يحب سورية كثيرا، سورية الأرض والشعب والتاريخ، وربطته بسورية والسوريين علاقة مميزة، إضافة إلى ذلك كانت تربط الملك الراحل منذ الخمسينيات علاقات وطيدة مع كثير من زعماء العشائر والقبائل السورية الكبرى، زعماء طي، عنزة، وشمر، على سبيل المثال، وكذلك كانت تربطه علاقات بكثير من السياسيين السوريين من مختلف الاتجاهات.
أبعد من ذلك، حين تسلم الأسد الأب الحكم في سورية؛ كان الراحل شخصيا لا يتوقف عن تقديم الدعم السياسي والمالي والمادي والمعنوي للنظام السوري.
أبعد.. أبعد من ذلك، ربما لا يعلم المطبلون المزمرون هؤلاء أن الملك عبدالله كان يقدم من وقت إلى آخر دعما للجيش وبعض الوحدات، اسألوا قائد هذه الوحدات فهو ما زال حيا، واسألوا أي ضابط سابق عن صحة ذلك.
ما أقوله ليس سرا، بل يعلمه القاصي والداني، وهذه أمور لا يزال شهودها أحياء.
هذه العطايا بالملايين من الدولارات هي خارج إطار المساعدات الرسمية التي كانت تقدمها المملكة لحكومة "الجمهورية العربية السورية" وفق قرارات بعض القمم العربية.
"لم يتغير موقف الملك عبدالله من سورية" أيها المؤيدون الشامتون إلا عندما تغير موقف النظام الحالي في سورية بعد أن شرع في تدميرها وتدمير إنسانها ووحدتها الوطنية، ولطالما نصح بشار الأسد "كابن له"، طبعا قبل أن يضل هذا "الابن" طريقه.
لقد كان عبدالله بن عبدالعزيز عروبي الهوى، وهذا معروف للعدو والصديق، وأنتم أيها الشامتون المؤيدون لحكومة "الجمهورية العربية السورية" ألا ترون خسة في موقفكم هذا من الملك الراحل؟ وهل تعلمون أنكم تنتمون في معظمكم إلى قبائل عربية الأصل قدمت من العراق قبل ألف عام مرورا بجبال سنجار "المكزون السنجاري" وحلب قبل أن تستقر أخيرا في الساحل السوري؟ وأن العربي لا يشمت بأحد عند الموت؛ خاصة إذا كان من طراز الملك عبدالله؟
هل تذكرون ذلك؟ أم أن عصبياتكم الضيقة ومصالحكم الواسعة وجهلكم الهائل جعلت ذاكرتكم أكثر بؤسا من ذاكرة سمكة؟
"ليس في الموت شماتة"، وحده موت الذاكرة والضمير يستدعيان الشفقة ودمعة مالحة كقلوبكم.