اليقين الجاد المطلق قد يدفع الإنسان إلى ارتكاب أفظع الجرائم وأبشعها، وخلق مزيد من الصراعات.

في زمن الوصايا وتأجير العقول. وفي زمن بيع الأوطان والسبي وقطع الأعناق بالسيوف. وفي زمن الظلمات وعدم القدرة على قراءة إرادة الشعوب، أدعو إلى استقراء الأمور والأحداث وليس الاكتفاء بقراءتها فقط لنعلم من يكره من؟ من المقتول؟ من الداعشي؟ من المندس؟ من الصادق؟ من الضال؟

الأحداث مؤخرا ومنها حرق الطيار الأردني حيا من قبل تنظيم "داعش" أظهرت طريقة الاتفاق، طريقة الاختلاف لدينا، التي وضعتنا أمام حقائق خلل شديد في المنظومة الدينية والثقافية والاجتماعية في التعاطي مع الأزمة الحقيقية، إذ ظهر التفكير السطحي والتفكير المتطرف جنبا إلى جنب في خط متواز في ظهور ثلاث رؤى: مؤيد للتنظيم الداعشي مستلهما قناعاته من الأحاديث والأسانيد، ورافض لها مع تقبل جوهر المنبع، ومتقبل لها من باب العين بالعين "واقتلوهم حيث ثقفتموهم" علما أن المغدور هنا هو رجل مسلم!

إن أحداث الأيام الماضية كشفت وبشكل لا يقبل الجدل أعدادا لا يستهان بها من مؤيدي شعارات الحرق والذبح. إن كل هذا يمثل استقراء مبدئيا لقضية خطرة بشأن فئة بأكملها يسهل ملاحظة كل أفرادها.

إن الرفض لكل ما يقوم به تنظيم "داعش" ورفض أفكاره السوداء الظلامية، واستنكارها، واستنكار ما يقوم به من أعمال إجرامية تجاه شعوب مسلمة، أصبح حدا فاصلا بين "هم" و"نحن".

وعلى كلّ أن يظهر في أي الصفين هو، وإلا سنكون أمام تمزق حقيقي في النسيج الاجتماعي ووحدته الوطنية.

المرحلة الحالية لا تحتاج إلى ترقب وخدر وانتظار، بل تحتاج إلى إرادة التخلص من المندسين بيننا المتبنين لشعارات "داعش" ومؤيديه، فقد تكاثروا وانتقلوا من مرحلة التلميح إلى التصريح.

كل هذه المعطيات ستجرنا معها وبجدية خطيرة إلى كل الاحتمالات وعواقبها المجهولة. إنها مسؤولية جماعية بامتياز ولا مفر من مواجهتها.

هزيمة "داعش" تكمن في أن تنتزع بذرتها تماما. وكل من يظن نفسه أفضل من الآخر بسبب "دينه، قوميته، إمكاناته، قدراته، جنسه، طائفته" ويبرر القتل، ويحرض عليه بالنوايا، أو تلميحا، فهو يحمل بذرة "داعش" في أعماقه ويمنحها قدرة البقاء.