ومعاذ الكساسبة يُحرق حيا.. كان في أنحاء العالم الإسلامي كله كثير من الأصوات، ومنذ سنين بعيدة وحتى اليوم، وهي تصرخ أنه لا مستقبل لهذه الأمة ما لم تتبنّ مؤسساتها السياسية المشاريع الموضوعية التي حاولت مراجعة التراث، وأخضعته للنقد والتمحيص، وفككت الدموية التي تطفح بها آلاف الكتب والمجلدات التي تملأ المكتبات والمدارس والمساجد والبيوت، وحاولت تخليص الإسلام من التأويلات السامة، التي اعتسفته وضربته في جوهره القاصد للعدالة، الصائن للدم الإنساني، المعلي من العلوم والعمل والحياة والسماحة وقيم الأخوة الإنسانية.

أفكر، ماذا لو قام بلد مركزي ومؤثر كالسعودية، بانتخاب مئة أو مئتي عالم من علماء المذاهب، ذوي الرؤى العصرية، مع مفكرين وباحثين مستقلين، وأقامت مشروعا فاعلا، يعالج الممكن من الموبوء في تراثنا، وتنقيته من التوحش، وفتاوى التكفير والقتل، ثم تتبنى الدولة نفسها نتائجه في التعليم المدرسي والجامعي والمسجدي، لتؤثر بمشروع كهذا في العالم الإسلامي قاطبة.

كم سيكلف هذا الدولة؟ مليارا؟ عشرة؟ هذا رقم لا يذكر إزاء ما ننفقه ليل نهار على محاربة الإرهاب.

كم سيستغرق من الوقت؟ سنتين، خمس؟ هذا أفضل من استمرار الأفكار القاتلة في إنجاب معتنقيها، الذين لا يهددون البلد والمجتمع فحسب، بل يهددون حقيقة الإسلام ومقصده!

إن إنتاج المتعلمين الفاعلين، المدركين لإنسانية دينهم، هو ما سيجعلك محصنا، بينما تغاضيك عما في التراث من التلويث والفتك سينجب متطرفين، وستبقى تحت التهديد. ليتنا نفعل.