كان الوقت قبل فجر الأحد بساعة عندما وصلت الفندق العاصمي وطلبت من موظف الاستقبال أن "يتوصى" لي بغرفة مناسبة، أعطاني بطاقة فتح الباب قائلاً: لقد أعطيتك الغرفة ذاتها التي نزل بها قبل أيام وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، كنت أظنه يقولها من باب المزاح لولا أن عامل الاستقبال الآسيوي في الدور التاسع صاح أمامي بلغة إنجليزية رصينة: أوووه... إنها غرفة جون كيري. دخلت الغرفة مستغرقاً في الضحك وأنا أتذكر قوله عز وجل "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم..." الآية.

لكنني أيضاً شكرت الله على نعمه التي لا تحصى. ابتدأت حياتي طفلاً حافياً وكنت أحتفل يومها بكل ثوب جديد لا يأتي سوى في عيد الفطر المبارك، وهأنذا على وشك النوم على السرير ذاته الذي نام عليه قبل أيام وزير خارجية الكون وراسم سياساته.

من نعم الله على هذا الطفل الحافي، نصف الكاسي، أن ما يجمعني بجون كيري ليس مجرد النوم على السرير ذاته بل أيضاً إنه كان طالباً جامعياً بجامعتي الأميركية نفسها في زمنين متتابعين. هنا سأكتب خيالات الفوارق لا التطابق بين ساكنين للغرفة ذاتها. على طاولة الكتابة في زاوية الغرفة تخيلت جون كيري وهو يكتب مسودة خطاب إلى وزير الخارجية الصيني، بينما أنا أشرع في كتابة مقال عن أسعار الخضروات الملتهبة في محافظة محايل. على الطاولة ذاتها تخيلت جون كيري وهو يكتب رسالة على "الواتس أب" في مجموعة تضم وزراء خارجية نادي "العشرين" العالمي، وأخرى تضم وزراء خارجية فيتو مجلس الأمن. وعلى النقيض كنت أكتب رسالة لمجموعتي الأغلى للتنسيق مع "آباء" حكيم وعلي وريان وخالد لقضاء إجازة نهاية الأسبوع في رمال "قوز الجن" على أطراف الخبت التهامي.

والخلاصة أنني أبداً لا أكتب للظرافة والنكتة. علي الموسى وجون كيري على السرير ذاته والطاولة لا يشبهان إلا ما يلي: الوزير الذي يجلس على كرسي وزير سابق فلا يستطيع برهنة الحضور ذاته والكاريزما لسلفه. معالي نائبه الذي حضر بحرف "الواو" خلفاً لنائب سابق كان حضوره يطغى على حضور معالي الوزير. سعادة المدير العام الجديد الذي وصل لمنصبه تحت شفاعة الاسم البراق لجده الأعلى على حساب مدير عام "مقال" رغم الكفاءة والسيرة المدهشة. رئيس القسم الذي يجلس على كرسي سلفه الضخم، وكل مواهبه ليست بأكثر من قدرته على تجهيز مناسبات المدير العام وحفلاته بجملة واحدة.. عذراً.. انتهت المساحة.