سادت حالة من التذمر والاستياء مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي بعدما بث تنظيم "داعش" الإرهابي، فيديو يظهر فيه حرق الطيار الأردني "معاذ الكساسبة" المحتجز منذ 24 ديسمبر، وتضمن الشريط صورا للشاب، وقد ارتدى لباسا برتقاليا، ووضع في قفص حديدي اندلعت فيه النيران.
وحمل الشريط عنوان "شفاء الصدور"، وبرز منذ عدة أيام بصيص أمل لإطلاق سراح الطيار في صفقة تبادل مع الأردن تطلق بموجبها الحكومة الأردنية سراح السجينة العراقية "ساجدة الريشاوي". وكتب تنظيم "داعش" على حسابه في توتير قائلا: "كما أحرقت المسلمين بالقنابل وأنت تقود طائرتك فأنت اليوم تحرق بنفس النار".
الحادثة الإرهابية هي في نظري جزء لا يتجزأ من تكرار الحملات الدعائية التي يقوم بها التنظيم حتى يحظى بالاهتمام الإعلامي والدولي على أنه صاحب قدرات عالية فوق إمكانات "البشر"، وأنه لا يقهر أمام أعتى الجيوش تماما كما فعل في قضية الرهينتين اليابانيتين، فقد دفع الجميع في اليابان إلى التعاطف معهما والتعرف عليهما عن كثب قبل أن يقوم التنظيم لاحقا بقتلهما لزيادة التأثير الدرامي والإجرامي عبر قتل شخص يحظى بحب واحترام العالم".
السؤال المطروح: ما الذي يمكن أن يحصل لو تم الإفراج عن "ساجدة" من قبل الحكومة الأردنية؟ هل سيعد ذلك سببا مقنعا للتنظيم حتى يعدل عن تطبيق حد الردة؟ بعبارة أخرى؛ ما هي المصالح التي قد تتحقق للتنظيم إن هو أقدم على هذه الخطوة؟ وهل التلميح بإمكانية إقدام الأردن على إعدام "الريشاوي" يشكل ورقة ضاغطة على التنظيم؟ وهل يمكن أن يصلح هذا النوع من التفاوض مع تنظيم الدولة؟ في نظري أن التهديد بإعدام "ساجدة" في الأردن هو غاية المنى بالنسبة لتنظيم الدولة. فبإعدامها تنال "الشهادة"، على حد زعمهم، وهي ما تتمناه "ساجدة" منذ أن شاركت في تفجيرات فنادق عمان الثلاثة في 2005، لكنها نجت عندما لم ينفجر حزامها الناسف.
إن تعاطي تنظيم "داعش" مع الأحداث يعني عدم جدوى الخطابات الاستعطافية الممزوجة بالمشاعر الدينية، فلو خرجت مثلا والدة "معاذ" آلاف المرات تبكي وتناشد تنظيم الدولة الإفراج عن ولدها؛ فإن هذا لن يحرك مشاعر أصحاب القرار فيها، ولو أن جميع الشعب الأردني شهد لمعاذ بأنه كان يصلي ويصوم ويحجّ ويتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، فإن ذلك لن يثن أفراد التنظيم عن قتله كونه مرتدا، وعليه فإن مجرد القبول بمبدأ التفاوض مع تنظيم الدولة معناه الاعتراف الضمني به بطريقة غير مباشرة، وهو ما سيحقق للتنظيم مكسبا مهما، وهو شعوره الذاتي بكونه دولة لها قوتها ووزنها في المنطقة.
لقد فطن عدة خبراء ومحللين إلى أن أكبر مصدر لقوة "داعش" لا يكمن بأي حال في قدراته العسكرية، أو تكتيكاته الاستراتيجية على أرض المعارك كما يتصور الكثيرون، ولكنها تعتمد على الأعمال التسويقية والدعائية في بث حالة الرعب، ولعل تزايد الانشقاقات في صفوف "داعش" في الفترة الأخيرة لهو مؤشر واضح على الاهتراء البنيوي وأن التنظيم بدأ يتآكل. ولكن انشقاق الداعشيين لا يعني بالضرورة الانشقاق عن الفكرة الأساس، فالمنشقون قد يتوجهون أيضا إلى شقيقات "داعش" من النصرة وغيرها، فهم هاربون منها إليها.