لا يمكن قراءة هذا القرار بمعزل عن القرارات المتعلقة بإلغاء بعض المجالس واللجان العليا مثل المجلس الاقتصادي الأعلى ومجلس التعليم العالي واللجنة العليا لسياسة التعليم وغيرها التي رأت القيادة أن استبدالها أو إلغاءها في هذه المرحلة يحقق المصلحة العامة بشكل أفضل. لذا جاء دمج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في هذا السياق. وعلى ضوء ذلك فإن قراءة تبني دمج الوزارتين قد تكشف لنا للوهلة الأولى الرغبة الملحة في أن يتم الإشراف على الطلاب منذ دخولهم أول فصل دراسي في مراحل التعليم الأولي حتى تخرجهم من الجامعة، ومن يريد منهم الاستمرار في الدراسات العليا، أن يكون الإشراف عليهم وتوجيههم ورسم سياسات وتوجهات ومراحل واستراتيجيات وطرق وأساليب ومناهج دراستهم؛ عن طريق جهة واحدة، أو قل وزارة واحدة بدلاً من وزارتين.

هذه مدرسة فكرية لها جوانبها الإيجابية ولها سلبياتها. ويرجع تحديد طغيان الإيجابيات على السلبيات أو العكس للجهة التي تتخذ هذا القرار أو تقرر تبني تلك المدرسة. والواضح من تطبيق هذه المدرسة في المملكة بدمج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في وزارة واحدة تسمى "وزارة التعليم"؛ أن متخذي هذا القرار قد رأوا أن دمج الوزارتين له إيجابيات ستتحقق أكثر من بقاء الوزارتين منفصلتين يقرر كل منهما سياساته ورؤاه وأهدافه بشكل منفصل دون تنسيق أو تكامل. وبقراءة متأنية فاحصة سنعرض لإيجابيات هذا القرار، وبعض العوائق التي ربما تعترضه حتى يمكننا ربما رسم خارطة طريق نعزز فيها تلك الإيجابيات ونقضي على العوائق. وبعدها سنقدم هنا مقترحاً ربما يؤدي إلى المساعدة في نجاح هذا التوجه. فمن الجوانب الإيجابية لهذا القرار ما يأتي:

أولا: كما قلت أعلاه؛ دمج الوزارتين جاء في سياق إلغاء بعض المجالس واللجان العليا بهدف تحقيق إنجاز أفضل لتلك القطاعات التي طال مجالسها أو لجانها العليا الإلغاء.

ثانياً: هناك اتهام أزلي بين هاتين الوزارتين أن ضعف مخرجات كلٍ منها سببه الأخرى. فوزارة التربية تقول إن سبب ضعف طلابها هو المعلمون الذين تخرجهم الجامعات، ووزارة التعليم العالي تقول إن سبب ضعف المعلمين المتخرجين يعود لتأسيسهم في مدارس التربية والتعليم. ودمج الوزارتين يقضي على هذه المشكلة الأزلية ويغيّب الاتهام الأزلي بين الوزارتين اللتان تتقاذفان اتهامات الضعف.

ثالثا: وزارة التعليم العالي لم تعد تعترف بشكل كبير بنتائج خريجي الثانوية، وأنشأت المركز الوطني للقياس والتقويم الذي تعطي نتائجه وزناً كبيراً في القبول في جامعاتها. وهذا في ظني هدر كبير للجهود وقد يكون إجحافا في حق بعض الطلاب الذين يحرمون من إكمال دراساتهم بسبب إخفاقهم في الحصول على الدرجة المطلوبة، ليس بالضرورة بسبب ضعف المستوى بل قد يكون لأسباب أخرى غير المستوى لم يكشفها ذلك الاختبار كما هي الجدلية المعروفة حول اختبار القياس. وفي الدمج توفير الجهد المتكرر الذي يوفر الوقت والمال.

رابعاً: وزارة التربية بدورها لم تعد تعترف بنتائج جامعات التعليم العام في التعيين كمعلمين بل تخضع كل المتقدمين لوظيفة "معلم" لاختبار لا بد من اجتيازه. ونقول هنا ما قلناه بشأن الطلاب الذين يحرمون المقاعد الجامعية. فقد يحرم متقدم لوظيفة "معلم" بسبب اختبار اجتياز هذه الوظيفة وقد لا يكون السبب أيضا تدني المستوى وهذا فيه إجحاف في حق المتقدمين وثانياً فيه هدر للمال والجهد والوقت. وهذا الدمج يسهّل لوزارة التعليم الجديدة تبني أساليب حديثة لمنسوبيها من الطلاب والمعلمين لتحديد مستوياتهم أثناء دراستهم وغيرها من القرارات التي تسرّع الإنجاز وترتقي بالمستوى في الوقت نفسه.

خامساً: هذا الدمج يؤدي إلى سهولة الاستعانة بالمتخصصين الأكاديميين من منسوبي الجامعات في التعليم العام كباحثين ومدربين وخبراء، الأمر الذي كان يصعب تحقيقه في الماضي بسبب البيروقراطية والامتناع أحيانا. أما الآن فأصبح منسوبو الوزارة يعاون بعضهم بعضاً في مؤسسة واحدة نجاحها من مسؤولياتهم الأساسية.

سادساً: أن تكون هناك جهة واحدة تشرف على الدارسين منذ دخولهم أول فصل دراسي إلى حين تخرجهم. هذا ما أراه من إيجابيات لقرار دمج الوزارتين. أما العوائق التي قد تعترض هذا القرار فتتمثل فيما يأتي:

أولا: العبء الكبير الذي سيترتب على وزارة التعليم إذا هي بقيت بالهيكلية الحالية. بمعنى أن تبقى هي من يدير بشكل مباشر المدارس والجامعات والإدارات المعنية بها، وذلك لكبر حجم العمل والمسؤولية على وزارة واحدة ستضطر إلى تقسيم نفسها إلى إدارات ضعيفة لا تستطيع الوصول للأهداف بالمستوى الذي تطمح له الدولة.

ثانياً: الوقت الذي سيستغرقه الدمج لتوحيد الإجراءات وبناء أنظمة جديدة تكفل تسيير أمور الوزارة لتقوم بمهمة التعليم بشقيه على أعلى مستوى. ثالثاً: تناغم العمل بين شقي التعليم يحتاج وقتا.

وللتخفيف من هذه العوائق نعرض المقترحات التالية:

أولاً: السرعة الممكنة في إعادة هيكلة الوزارة. ثانياً: ضمن هذه الهيكلة لا بد من إعطاء الجامعات نوعا من الاستقلالية "المرشّدة" و"المنضبطة" لتخفيف العبء الثقيل جداً على الوزارة ولتحقق لها التحرك بحرية أيضا "منضبطة" لتحقيق أعلى مستوى من الإنجاز في ثلاثة المجالات التي تتعلق بعملها: التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع. ثالثاً: السرعة الممكنة في بناء الأنظمة التي تسيِّر عمل الوزارة الجديدة والتي تضمن لعملها التكامل بين شقي التعليم لتحقيق أعلى مستوى من الإنتاجية التي تشكل الهدف الأول من الدمج.

التغيير مطلوب في هذا العصر والتجريب مهم. ولا بد أن نعي أنه لا بد أن تكون هناك إشكالات في التغيير. هذا معروف ومتوقع، لكن المطلوب هو التعامل مع تلك المشكلات بفاعلية وبسرعة. هنا يأتي التغيير بثماره ويحقق أهدافه ويوصلنا إلى الهدف المنشود.

نسأل الله العلي القدير أن يوفق كل جهد مخلص لخدمة ديننا ووطننا.