عندما انتقل خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى رحمة الله يوم الجمعة 3 ربيع الآخر (23 يناير)، أظهرت القيادة السعودية مرة أخرى قدرتها على التحرك السريع لضمان استمرارية أعمال الدولة بمبايعة خادم الحرمين سلمان بن عبدالعزيز ملكاً للمملكة العربية السعودية، والأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، والأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
تم ذلك كله في يوم واحد، مطمئنا ومُظهرا الكفاءة العالية للنظام السياسي. وفي حين كانت مبايعة الملك سلمان والأمير مقرن متوقعة سلفاً، فإن اختيار وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف نائباً ثانياً ومبايعته ولياً لولي العهد في اليوم نفسه، كان تطوراً جديداً في تاريخ المملكة، بالانتقال إلى الجيل الثاني لشغل هذه المناصب العُليا.
أنهى هذا التعيين التكهنات في الخارج حول إمكانية أو صعوبات الانتقال إلى الجيل الثاني، إذ كُتبت العشرات من الأبحاث، وبعض الكتب التي تدّعي المعرفة بأوضاع المملكة وتضع سيناريوهات ثبت الآن عدم صحتها، مؤكدة ما قاله الحكيم الصيني (لاو تزو) مرةً: "أولئك الذين يعلمون لا يتكلمون، وأولئك الذين يتكلمون لا يعلمون".
صدر في ذلك اليوم أيضاَ الأمر الملكي بتعيين الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ورئيساً للديوان الملكي ومستشارا خاصا للملك، وهو أيضاً من الجيل الثاني. وبعد أقل من أسبوع، في يوم 9 ربيع الآخر (29 يناير)، صدر أكثر من ثلاثين أمرا ملكيا آخر تشمل تعيينات وزارية جديدة للتعليم، والصحة، والزراعة، والخدمة المدنية، والإعلام، والاتصالات، والشؤون البلدية، وغيرها. جاء معظمهم من القطاع الخاص، لإدخال أساليب وكفاءة القطاع الخاص وتطعيم الأسلوب الحكومي المعتاد بها.
وصدرت أوامر أخرى تتعلق بالتنظيم الإداري للدولة، أهمها قرار إلغاء المجالس واللجان والهيئات العُليا التي استنفدت دورها بعد عقود من تأسيسها، منها:
•مجلس الأمن الوطني.
•المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
•اللجنة العليا للتنظيم الإداري.
•مجلس الخدمة المدنية.
•المجلس الاقتصادي الأعلى.
•المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن.
•اللجنة العليا لسياسة التعليم
•مجلس التعليم العالي والجامعات.
•المجلس الأعلى للتعليم.
•الهيئة العليا لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.
•المجلس الأعلى لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة.
وأحد دوافع حل هذه الأجهزة أنها أحياناً تتعارض مع "اختصاص مجلس الوزراء الأصيل في رسم السياسة الداخلية والخارجية والمالية والاقتصادية والتعليمية والدفاعية وجميع الشؤون العامة للدولة والإشراف على تنفيذها"، حسبما أشارت إليه ديباجة الأمر الملكي.
وفي الوقت نفسه فإن ثمة تنازعا في الاختصاصات فيما بين هذه المجالس، فضلاً عن اختصاصات الوزارات المعنية. فلعلك لاحظت أن خمسة من هذه الأجهزة مثلاً تختص بالتعليم والبحث العلمي، واثنان تختصان بالخدمة المدنية، واثنان بالشؤون الاقتصادية. ولما كان لكل منها جهازه الوظيفي وميزانيته الخاصة، فإن وجودها أدى أحياناً إلى إطالة الإجراءات للحصول على توافق بين الأجهزة المختلفة، وفي حالة عدم التوصل إلى توافق كان هناك بطء أو شلل في اتخاذ القرار. وبالإضافة إلى ذلك فإن وجود هذه المجالس كان يأخذ الكثير من وقت كبار المسؤولين وجهودهم للمشاركة في اجتماعاتها والتوفيق بين التوصيات المختلفة والمتعارضة أحياناً التي تقدمها تلك الأجهزة.
ووفقاً للهيكل الجديد الذي تم الإعلان عنه الأسبوع الماضي سيكون ثمة مجلسان فقط، مدمجان في هيكلية مجلس الوزراء، وسيكون الأمين العام لمجلس الوزراء أميناً لهما أيضاً:
المجلس الأول هو مجلس الشؤون السياسية والأمنية، برئاسة النائب الثاني لمجلس الوزراء وزير الداخلية، ويضم في عضويته وزراء الخارجية والحرس الوطني والدفاع والإعلام والشؤون الإسلامية ورئيس الاستخبارات العامة، بالإضافة إلى وزيري دولة.
والمجلس الثاني هو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية ويرأسه وزير الدولة محمد بن سلمان، ويضم في عضويته (21) وزيراً في كل التخصصات تقريباً عدا السياسية والأمنية.
ومع أنه لم يتم تحديد آلية عمل المجلسين وصلاحياتهما، فإنه يُظهر أنهما سيكونان بمثابة لجنتين متفرعتين من مجلس الوزراء، تُعرض توصياتهما على المجلس، إلا إن رئي إعطاؤهما صلاحيات منفصلة في بعض القضايا الفرعية.
وبهذه التغييرات، سيكون ثمة تحديد أكثر للصلاحيات، ومكان واحد هو مجلس الوزراء والمجلسان المتفرعان عنه، يتم من خلالها البت في جميع القضايا، وحسمها دون تنقلها بين المجالس والهيئات واللجان المختلفة التي كانت قائمة، وهو ما يبشر بسرعة حسم الأمور والبت فيها.
وتعكس هذه التغييرات والسرعة والحزم في اتخاذ القرارات التي صدرت الأسبوعين الماضيين أسلوبَ العمل الذي عُرف به الملك سلمان منذ كان أميراً لمنطقة الرياض.