ترتفع في كل يوم حدة نغمة التغيير، والدعوة اليه، خاصة التغيير الاجتماعي المتمخض عنه تغيير في الأنماط الثقافية السلبية الموروثة، والممارسات السلوكية المتعلقة بأذناب العرف والتقاليد، التي ما أنزل الله بها من سلطان. فهل نحن جادون فعلا؟ ولماذا يقاوم بعضنا التغييرويتحايل عليه في الباطن رغم الشعارات الطنانة التي يتشدق بها ظاهريا من خلال ما تفرزه كتاباته أو مقولاته المأثورة؟
إنه الخوف من فقدان السلطة التي أتاحت لهؤلاء سطوة فرض ثقافة مفرزنة، وأفضت إلى التسلط الاجتماعي، والقمع الثقافي، رغم الخطاب المتسامح الذي يلوحون به، في محاولة غير يائسة لكبح جماع التغيير، وتدجين العقول لتظل أبد الدهر ترفل في نعيم التخلف الذي أفرزته عصا التسلط المؤدلج. والمؤلم أن مظاهر هذا التسلط تركز أكثر ما تركز على المرأة، الحلقة الأضعف ؛ وتغرس فكيها حول زنديها لتكبلها، وتكبل معها روح المجتمع، ومصدر قوته أو ضعفه. إنها الأم والأرض والوطن.
وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء، سيتبين لنا عمق العلاقة بين مقاومة التغييروالخوف من فقدان السلطة أو الأبوة الاجتماعية الممسكة بزر الحراك الثقافي . فالخوف من استقلالية المرأة، وتلاشي سلطة الرجل، أدى إلى مقاومة تعليم الأنثى السعودية. فالتعليم معناه كوة تطل منها المرأة على العالم خارج السجن الذكوري، وخارج طروحاتهم وحساباتهم التي مكنتهم من السيطرة عليها قرونا عديدة.
والخوف من فقدان السلطة هو الذي أدى إلى رفض قيادة المرأة للسيارة. فالقيادة هنا هي للرجل فقط، ومن تقود سيارة وتوجهها، ستكون بلا ريب(حسب تفكيرهم) قادرة على قيادة الرجل وتوجيهه، بل وتوجيه المجتمع، فمالكم كيف تحكمون!.
والخوف من فقدان آلية التوجيه تلك وعصا التحكم في دخول وخروج المرأة، بل وفي قدرها ومقاديرها وأحوال معيشتها، هو الذي أشعل نار مقاومة الاختلاط وذنب تحريمه، متناسين وهم أعرف العارفين القاعدة الشرعية التي تنص على أن كل شيء مباح مالم يرد نص بتحريمه. إنها فوبيا التغيير الذي يبدأ من المرأة وينتهي إليها.
وبعيدا عن المرأة، نجد أن سلطة الرأي الواحد تقاوم وبشراسة سياسة الانفتاح التي نادى بها الملك عبدالله بن عبد العزيز، لأنها ببساطة تعني دخول رؤوس أخرى إلى الساحة يتحتم الاعتراف بها والتحاور معها، أي تلاشي هذا التسلط وذوبانه، وفتح النوافذ المغلقة لدخول الآخر المختلف دينيا ومذهبيا وعرقيا، وحتى جنوسيا، وأعني بها أنثى هذا المجتمع السلطوي بامتياز، ما دامت هذه الفئة الرافضة للتغييرجهرا وسرا تصر على تهميشها وإقصائها، حالها حال الأفكار الموؤودة، والآراء المقموعة. فأي تغيير هذا الذي تتحدثون عنه؟ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والتغيير البناء ليس رغبة ولا أماني فقط، بل إيمان صادق بضرورة هذا التغيير، وعمل جاد وواقعي وملموس على تحقيقه، وتسخير السلطة لفرضه وتغيير جلد الثقافة لا جَلدها.