كتب صديقي الكاتب العالمي عبدالله المغلوث عن معاناة ابن عمه عبداللطيف مع حلاقه "عظيم" الذي حلق رأسه لمدة 20 سنة، لا يحلقه غيره، وحينما غادر الحلاق إلى بلاده اعترى عبداللطيف الضيق والنكد بأن لا حلاق يستطيع حلاقة شعره العجيب كما كان يفعل عظيم. اقترح صديقي على ابن عمه أن يجرب حلاقين آخرين سيكونون أفضل منه، بعد أن يئس ابن عمه من المكابرة والعناد أسلم رأسه لحلاقين آخرين فوجدهم أفضل وأمتع وأرخص من عظيم، خصوصاً وأنني أعيش نفس المعاناة مع حلاقي في الرياض منذ 14 عاما، وحلاقي في الخبر من 11 سنة! قلت لصديقي عبدالله في رساله عاجلة "تهقى نغير الحلاق"!
عبدالله المغلوث في كل مرة يفتح لنا باباً للأمل بحروف سحرية يكتبها بطريقة عالمية تصل إلى القلوب وتداوي جروح هذا الكون الذي امتلأ حروبا ودمارا وضيقا وإحباطا ونكدا ويأسا.. عبدالله ينسى كل هذا العجين من المآسي ليوقظنا من محنتنا لنشرق على غد جديد بطريقه سلسة مقنعة. قلت لعبدالله ذات صباح أنت لا تكتب لنا أنت تداوينا.
في سلسلة مقالاته العذبة عن مشاهير العالم وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه من "بير كاردان" إلى "برادا" إلى قصة الكارتون الشهير "بارني" إلى "سوني" وآخرين في قصص كثيرة؛ كان يختزلها في صفحة واحدة وبطريقة مقنعة وسلسة وجذابة. قلت لصديقي عبدالله أتمنى أن أرى هذه السلسلة في كتب جيب تمنح الناشئة في المملكة النظر إلى التجارب الناجحة في الحياة وأصحابها، بدلاً من الدوران في الشوارع المغلقة واجترار الإحباط وجلد الذات واليأس؟
نحن محظوظون بوجود قلم عالمي في صحافتنا المحلية مثل عبدالله المغلوث لينقلنا من الوجع إلى الشفاء بحروف ساحرة، تدير رؤوسنا للتفكير بطريقة أكثر إشراقاً، وأنا سعيد بالأسلوب الساحر الذي يكتب به عبدالله الذي قل أن يوجد كاتب عربي يكتب بتلك الطريقة الممتعة.. وهو ليس وحده فعبدالرحمن الراشد الكبير الذي علمنا سحر الكتابة هو الآخر كاتب عالمي بأسلوبه البارع الذي لا يشق له غبار في الكتابة، في اختزال المعلومة وربط الأحداث والوصول إلى تحليل مقنع مهما اختلفت معه. وهو وحده مدرسة في الكتابة نفخر أن يكون هناك كاتب سعودي يكتب بهذه الروعة والرشاقة، وثالث الثلاثة صديقي العاق الكاتب الساخر خلف الحربي الذي يتناول جميع المواضيع الاجتماعية والسياسية والرياضية بنفس القوة والمتانة اللغوية والسخرية، ويمر ببراعة متناهية من مقص الرقيب بعد أن قال كل شيء وهي طريقة لا يتقنها غير خلف.. ورابع الأربعة هو الكاتب الموسوعة فهد عامر الأحمدي الذي يكتب كل يوم مقالة مليئة بالمعلومات الثمينة الممتعة والتي تنبئ عن جهد خارق في إعداد المقالة على الطريقة الأميركية.
تطور المقالة في أي صحافة هو مؤشر كبير على المستوى الثقافي في البلد وعلى مستوى مناخ حرية الصحافة فيه.
نحن محظوظون أننا نملك أربعة كتاب في المملكة على مستوى عالمي، في حين وصلت الحالة في العالم العربي إلى خواء من كتابة المقالة الصحفية.. قولوا لي متى آخر مرة قرأتم فيها مقالة لكاتب عربي؟ نحن أسياد المقالة الصحفية، بعد أن تتلمذنا على يد كبار الأدباء العرب من نجيب محفوظ إلى يوسف إدريس إلى مصطفى أمين إلى نزار قباني وآخرين ثم غسان الإمام الذي لم يعد غسان الإمام وأسماء عربية كبيرة طفا بريقها.
أنا شخصياً لا أذكر آخر مرة قرأت فيها مقالة لكاتب عربي، بل أبدأ صباحي بالتهام مقالات عبدالله المغلوث، خلف الحربي، عبدالرحمن الراشد، فهد عامر الأحمدي.. ماذا تريد أفضل من هذا الكوكتيل الصحفي؟ أمل.. فكر.. خفة دم.. معلومة.