يميز الشاعر والإعلامي زاهي وهبي بين شعر الحب والغزل، حيث يصنف نفسه ضمن من يكتبون شعر الحب، لأن الغزل كما يقول في حديثه إلى الوطن "قد يكون افتتانا بمفاتن المرأة وتغزلا بشكلها، بينما يتعامل شعر الحب مع المرأة كإنسانة وأنثى في الوقت نفسه. وقد يكون شعر الحب للحبيبة "المرأة" العاشقة والمعشوقة والزوجة والأخت والصديقة والزميلة والابنة وللأرض والإنسان والوطن." .. هنا نص الحوار:

كيف تستوحي أفكار قصائدك بعد أن بتنا في عصر قيل فيه كل شيء؟!

لا تأتي الأفكار في وقت معين. تباغتني في النهار أو الليل، وربما وقت الغضب والفرح والضحك والزعل. الأفكار مثل الحياة. تفاجئنا بطريقة غير متوقعة أو منتظرة. ومن المهم أن نسجل الصورة الشعرية بسرعة، لأنها لا تعود مرة أخرى. لكني أفضل الكتابة في الصباح، وتحديدا في المقهى بين الحياة والضجيج. أحب أن تمشي بي الحياة أثناء الكتابة. وعموما هناك نصوص تباغت الشاعر فتحتله احتلالا. تلح عليه فلا تغادره دون أن تتحول إلى حبر على ورق وصور واستعارات ورؤى وأفكار شعرية. الشعر نمط حياة، وأسلوب عيش، ونظرة إلى الكائنات والوجود. لا يمكن اختصار الشعر في قصيدة تكتب وكتاب ينشر فقط، إنه كيان من حبر ودم. ولد من مشاعر وأحاسيس الشاعر. هناك قصائد تولد بقرار مسبق، مثل فكرة تخطر على بال الشاعر، أو مشهد يراه أو حالة يعيشها فيقرر التعبير عنها من خلال الشعر. أنا من الشعراء المهمومين بالإنسان، لأن الفن يجب أن يطرح علامات الاستفهام، وأن يهتم بآمال الإنسان وآلامه. لذا أنا من أنصار الفن للإنسان. وليس الفن للفن. يجب أن يصل الشعر إلى القارئ، لأنه المصفاة الحقيقية للذات من الأنانية والنرجسية والأورام الخبيثة التي تصاب بها الأنا!

ارتبط أبناء الجنوب اللبناني بتاريخ طويل من المعاناة والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهو ما انعكس على إيقاع حياتهم. وظهر في حضورهم الإبداعي، خصوصا إذا تعرضوا للاعتقال. ماذا تقول عن هذه التجربة؟

إنها تجربة جيل كامل. لقد تعرضت للأسر في صيف عام 1982 أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان. لا تختلف هذه التجربة عما تعرض له الآلاف من أبناء الجنوب اللبناني باستثناء أن صاحبها تحت الضوء. اعتقلت مرات عدة طوال عام كامل، مما كشف أمامي الوجه الحقيقي غير الإنساني لضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي. عرفت ما يحدث داخل المعتقلات الشبيهة بالمعسكرات النازية أثناء الحرب العالمية الثانية. أشعر بالمرارة والألم حين تتداعى ذكريات. لكن أشكر السماء التي أتاحت لي خوض هذه التجربة.

لماذا لم تكتب هذه التجربة أسوة بعدد من الأسرى المحررين؟

هناك صعوبة في التعبير عن هذه التجربة الممزوجة بالفرح والحزن. أجزم بأن كل الأسرى المحررين يواجهون صعوبة في كتابة سيرتهم، حيث تتداعى ذكريات تجمع بين المرارة والشجاعة ومواجهة احتلال لئيم وهمجي مثل العدو الإسرائيلي. إنها تجربة حافلة بالنضال، تتدفق مثل ينبوع عذب، لتعبر عن مسيرة الشعب الفلسطيني المصّر على استعادة حريته. يجب أن نرفع الصوت عاليا، حتى نذكر بقضية من بقي في السجون الإسرائيلية. يجب ألا ننسى آلاف الأسرى المحتجزين هناك، لأن كلمتنا ترفع معنوياتهم أمام السجان الإسرائيلي.

لا نعرف حجم ارتباطنا بجذورنا إلا عند الكتابة. تحضر لتكون بطلة على الورق فنكتشف أن هناك حنينا داخليا للمكان الأول. هل يباغتك هذا الأمر أيضا؟!

أنا أنتمي إلى مسقط رأسي والرحم الذي تكونت فيه. يجب أن يكون الإنسان وفيا للحضن الأول، الذي رضع منه حليب الطفولة، وبالتالي ينبع انتمائي إلى الإنسانية ولبنانيتي وفلسطينيتي وعروبتي من انتمائي إلى الرحم المجازي أي الأرض التي نشأت عليها، وقريتي "عيناتا" الحدودية الواقعة على مشارف الجليل الفلسطينية في أقصى الجنوب اللبناني. أعتز بهذه البيئة الطيبة المتواضعة البسيطة، مثل اعتزازي بمدينة بيروت، التي سميتها "مسقط القلب"، بعد أن وسّعت مكانا لي ولأبناء جيلي القادمين من أقصى الجنوب والشمال والجبل والبقاع، حيث انصهر هؤلاء الشعراء والفنانون والمبدعون في المدينة.