بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية مباشرة اتضحت للرأي العام رؤيته ومنهجه وسياسته، على الرغم من أن الشعب السعودي يدرك مدى هذا المنهج وهذه الرؤية سابقاً من خلال معرفته المباشرة بالملك سلمان بن عبدالعزيز منذ أن كان أميراً على الرياض لأكثر من نصف قرن مضى، فقد كان عدد كبير من المواطنين بجميع فئاتهم ومناطقهم وتكويناتهم الاجتماعية يتواصلون معه من جميع مناطق المملكة بلا استثناء وليس سكان العاصمة فحسب، إذ يستقبلهم في الإطار الرسمي وخارجه.

تربى سلمان بن عبدالعزيز في كنف والده المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله، وعاصر كل إخوته ملوك المملكة الذين سبقوه، رحمهم الله، ولم تكن مسؤولياته خلال هذه المسيرة منحصرة في حدود كونه أميراً على منطقة الرياض فقط، بل كان ركناً أساسياً في حكم الدولة السعودية الثالثة، بل عميداً للأسرة السعودية ومسؤولاً تولى مهمات سياسية خارجية ومسؤوليات تنموية داخلية، وقابل معظم زعماء العالم داخل المملكة وخارجها خلال العقود الخمسة الماضية.

عُرف عن الملك سلمان بن عبدالعزيز حلمه وحزمه، وحبه لأبناء وطنه، ومعرفته العميقة بالأسر والعوائل والعشائر والقبائل السعودية ومناطقها، واهتمامه بالأنساب والتاريخ، حيث عرفت عنه محبته للقراءة والاطلاع في مجالات الثقافة والتاريخ والتراث، ولا سيما في التاريخ السعودي على وجه الخصوص، واهتماماته بهذه الجوانب قديمة والكل يعرف ذلك عنه، ونتج من هذا الاهتمام عنايته بالتاريخ عموماً وبتاريخ الجزيرة العربية والتاريخ السعودي على وجه الخصوص، وانبثق عن ذلك ترؤسه لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، وحظي عدد من الجامعات السعودية بكراسي علمية متخصصة في التاريخ تحمل اسمه ويوليها كل العناية والاهتمام.

اليوم هو عصر الملك سلمان بن عبدالعزيز، بدأه بأمرين مهمين للغاية، لا يفصل بينهما سوى أسبوع واحد: الأمر الأول: ترسيخ أركان الدولة بشكل سلس، حتى إن انطلاق عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز قد تميز بميزة مهمة تحدث لأول مرة في الدولة السعودية الثالثة، وتتمثل في تسلسل الحكم في الأسرة السعودية في آخر الجيل الأول من خلال ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وأول الجيل الثاني من خلال ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، دون وجود احتمال فراغ سياسي أو قلق شعبي.

أما الأمر الثاني فأتى بعد أسبوع من ترسيخ أركان بيت الحكم، حيث أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عدداً كبيراً من الأوامر الملكية تتضمن إعادة تشكيل مجلس الوزراء، ودخول أسماء شابة تتولى حقائب وزارية مهمة، وهذا إيمان بكفاءة الشباب في خدمة الوطن من خلال مجلس الوزراء.

واشتملت الأوامر الملكية أيضاً على إلغاء عدد من المجالس واللجان وإنشاء مجلسين جديدين هما: مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ووفقاً للأمر الملكي يكون المجلس برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز عضو مجلس الوزراء.

ومن خلال هذين المجلسين تتضح الرؤية في التركيز على احتياج الوطن والمواطن من خلال أربعة عناصر رئيسة هي السياسة والأمن والاقتصاد والتنمية.

لم تقتصر الأوامر الملكية على هذين الجانبين بل كان الشعب حاضرا من خلال ضخ 110 مليارات ريال جاءت بشكل دعم مادي واقتصادي وتنموي وخدمي واجتماعي، وسوف تزيد السيولة في المملكة بنسبة 80? نتيجة الدعم المباشر للشعب في هذه الأوامر، التي بلغت في مجملها 34 أمراً ملكياً، وفيها المبادرة النبيلة للعفو والصفح والمسامحة بإطلاق سراح سجناء الحق العام وبعض الحقوق الخاصة ذات العلاقة المالية.

ولذلك تشير كل المؤشرات إلى أن الإنسان السعودي سيكون هو عنصر الاستثمار الأول في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسيذكر له التاريخ أولويات ربما تحدث في المملكة للمرة الأولى، لا سيما على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي والتنموي، فالمملكة حالياً تستطيع أن تثبت للعالم من واقع دروس التاريخ أنها ركن أساس فيه، وأن ملكها سلمان بن عبدالعزيز مدرك لتاريخ بلاده. ولن أتحدث أكثر عما تم إنجازه في أسبوع واحد، فالعالم كله يتحدث في مختلف وسائط الإعلام، وأستطيع القول إن مرحلة المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ستكون حديث العالم، لا سيما في عالم متغير بسرعة، ودول جوار مضطربة، بينما ترفل بلادنا بحمد الله بالأمن والرخاء والأمان، وكل ما قيل ويقال من إشاعات مغرضة ينفيها الواقع أمام مرأى العالم، ومن ذلك القول إنها تتأثر اقتصادياً بشكل كبير جراء هبوط أسعار النفط، غير أن الاستقرار والتنمية وجهان لعملة واحدة في بلادنا.