ليلة القرارات الحاسمة التي عاشها الشعب السعودي يوم الخميس الماضي ستبقى الليلة التاريخية الأهم لسنوات عدة مقبلة، وليس ذلك لأنها حملت الكثير من البشارات المفرحة، بل لأنها أعطت الشعب إشارة لما ستتميز به الحقبة القادمة من تأكيد لقرارات سابقة جيدة، وتغيير لقرارات لم يعد هذا زمانها أو وقتها.
أهم القرارات كان عودة سمو الأمير خالد الفيصل إلى منطقة مكة المكرمة، ليعود فارس التنمية فيها إلى معركته مع التطوير في جدة ومكة، لقد تشارك السعوديون في منطقة مكة المكرمة مع الفيصل حلما أوجدوا بداياته على أرض الواقع، وحولوا جدة منذ السنة الأولى لوجود الفيصل على صهوة إمارتها إلى ورشة عمل ضخمة، لم يستطع الجداويون بعد أن غادر الفيصل إلى التعليم نسيان تحذيراته إلى المقاولين وصوت القائد يستفز كل متقاعس وهو يشير إلى لوحة كتب عليها تاريخ انتهاء المشروع.
لم نستطع أن ننسى عندما أقفل مشاريع سياحية ومحطات على الطرق يكسب أصحابها الملايين، ولا تهمهم سمعة المملكة في تحقيق شروط النظافة واحترام مرتاديها، فصفق رجل الشارع لقرارات الفيصل الحاسمة التي لا تجامل أحدا. لقد عانت منطقة مكة من الفساد كثيرا، وكان وما زال لخالد الفيصل تلك الهيبة التي أرّقت منتفعي التسيب والإهمال الذين تسببوا في هذه المعاناة.
إن أمام سمو الأمير خالد الفيصل عشرات القضايا الإصلاحية الجديدة، ونحن على ثقة تامة بأن الله يوفق المخلصين، وأن روحه ستبث في أبناء المنطقة الغربية العزم على إصلاح حقيقي وتجفيف لمنابع الفساد.
القرار الآخر كان تسليم حقيبة التعليم للدكتور عزام الدخيل، الرجل الذي يتابعه كل مهتم بالتعليم في تويتر، والمهندس الذي أرى أنه سيعيد هندسة الوزارة من جديد، ولا شك أنه سيساعده على ذلك قرار إلغاء مجلس التعليم الذي أثبتت الدراسات أنه عقبة في طريق القرار التعليمي الجيد.
وفي الواقع إن إلغاءه سيمنح الوزير إمكانية إصلاح أكبر وأوسع، لذا فإن اختيار الدخيل هو ولا شك الاختيار الأفضل، فالدخيل نستطيع عدّه محترفا في مجاله ومطلعا على أساليب تطوير التعليم في العالم، وكقراء لكتبه ننتظر الكثير منه، خاصة أن هناك الكثير من القضايا الساخنة في ملف التعليم جديرة بالمعالجة، وأهمها قضية الكفاءات الإدارية والتعليمية التي يتم إقصاؤها لمصلحة مجموعة من المنتفعين وأصحاب مهارة إنشاء العلاقات غير الرسمية، مما لا تحمل سيرتهم الذاتية أي إشارة للتفوق. الذي بث وجودهم في التعليم مشاعر سلبية وأدت قراراتهم إلى تسرب الكفاءات إلى مجال آخر غير التعليم، كما أن قضية المناهج وتعددها جديرة بالحل، فكما رأينا الصين تبرز في العالم الاقتصادي عندما أزالت من الجدول الدراسي الكثير من المناهج التي تثقل على الطالب وتشغله عن المواد العلمية سر تطور الشعوب وتقدمها الاقتصادي.
أضف إلى ذلك احترام المعلم وإرجاعه إلى مكانته المناسبة فهي القضية التي لا نشك في أن الدكتور عزام سيوليها اهتمامه وسيكون حلها على يده، فالرجل الذي جذبه التعليم وألّف فيه كتبه واحترف البحث عن نقاط القوة في أنظمة أخرى نحمله ثقتنا وآمالنا في تعليم يصنع الفرق.
من القرارات المهمة أيضا ما خص أهلنا وإخواننا من المسجلين في الضمان الاجتماعي، وما ورد بشأن سلم رواتبهم، وهذا يدفعنا إلى التأكيد على أهمية منطقية المبالغ التي تسلم لهم، فاحتياجاتهم لا تغنيها رواتب هزيلة قد لا تغطي قيمة دواء واحد، ولو شمل ذلك بطاقات دعم لغذائهم وبنزين سياراتهم وملابس أطفالهم سيكون ذلك عاملا مساعدا لهم لحياة كريمة.
إن مليكنا خادم الحرمين الملك سلمان بتحية ليلة الجمعة للشعب السعودي قام بما نسميه إداريا "الهندرة" وبقي على فرسان القرارات تحقيق ما وضعهم خادم الحرمين لأجله، وأن يبذلوا كل الجهد في إكرام الشعب السعودي الذي أكرمه قائده.