منتصف ليلة البارحة طلب مني أخي رئيس التحرير المكلف استعجال مقال يقرأ قرارات خادم الحرمين الشريفين الأخيرة.
وجدت أن أفضل طريقة هي أن تقرأ هذا الوطن، ولكن كيف؟
في قراءة هذه القرارات يجب أن تحلق بين تاريخين، وأن تصعد إلى السماء لتشاهد هذا البلد من منظور علوي.
في بواكير توحيد هذه البلاد المباركة وقبل حتى أن يطلق عليها هذا الاسم الداخلي كان إمامنا المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل يبحث عن كاتب قلم سعودي فلا يجده، ولربما استعان بكتاب وخبراء من خارج هذه الأرض.
ولهذا سأقول إن أهم قرارات خادم الحرمين الشريفين الأخيرة لا تكمن في أسماء الوزراء، بل تكمن في تفصيل ثوب إداري جديد يليق بمرحلة سعودية قادمة.
إن استعرضت الأسماء وجدت أن هذا البلد لم يعد عاجزا عن ملء عشرة طواقم وزارية مختلفة، فهذه الرياض التي كانت قبل 50 سنة تعيش على ثانوية عامة واحدة تضم اليوم - ولله الحمد - ما لا يقل عن 1000 كفاءة سعودية متخرجة من أكبر 20 جامعة في العالم.
باختصار أعتقد أن خادم الحرمين الشريفين وضع الأصبع على الجرح، المشكلة ليست في الأسماء، لكنها في الثوب الإداري الذي تتلبسه.
كان مفاجئا لي بشكل مدهشٍ جميل أن القرار الملكي الثاني أو الثالث كان معنياً بإلغاء عشرات الهيئات والمجالس والمؤسسات، وهذا يعني مكافحة للبيروقراطية والترهل اللذين لم يعد الاقتصاد السعودي الضخم يستوعب شبكاتهما المختلفة.
فالثوب الإداري الذي صممه لنا سلمان بن عبدالعزيز يبدو علاج الجرح التنموي في بناء مجلسين جديدين فقط، ولعلي أشير إلى المجلس التنموي أولاً، لأن لدينا اقتصادا دافعا عملاقا لا مكان فيه للبيروقراطية ولا مكان فيه للتأخير في حاجات المواطن، وتلمس حاجاته التنموية، نحن نريد مجلسا فعالا مباشرا يخدم هواجس التنمية.
نحن نعرف بالتأكيد أن لدينا وفرة في المال، ومع هذا نعجز عن تفسير عشرة آلاف مشروع متعثر أو متأخر، وأعتقد أن هذه النقطة بالتحديد يجب أن تكون الورقة الأولى على طاولة هذا المجلس.
أيضاً أدرك سلمان بن عبدالعزيز أن الظرف الإقليمي لا يسمح لتعريض أمن هذا البلد للهواجس والمخاوف التي تحيط بنا من كل جهات وحدود هذا البلد، ويعتقد جازما أن المجلس السياسي سيرسم للمملكة سياسة إقليمية وعالمية جديدة تتناسب مع الدور الإقليمي والعالمي أيضاً، الذي تلعبه هذه البلاد كحاضنة أولى للحرمين الشريفين، وأيضاً ثانيا رمانة الاقتصاد العالمي بصفتها حجر الزاوية في الطاقة والنفط.
هذا هو أهم ما رأيته في جملة القرارات الهائلة التاريخية، ومرة أخرى سأعود إلى البداية، لست مندهشا بالأسماء في بلد ولاد رؤوم بقدر ما كانت دهشتي فعلاً بأننا مقبلون على ثورة جدارية حقيقية نحن بحاجتها فعلاً في هذا التوقيت بالذات.
أخيراً.. لا بد من الشكر لأن الهدايا التي وردت إلى شعب وفي كانت بمثابة ورقة الفرح التي أرسلها قائد إلى الشعب، وهذا ما تعودنا من هذه الأسرة الفاضلة الكريمة.