ثمة عظماء في هذه الحياة - كالملك عبدالله رحمه الله - لا يسعهم التاريخ، صيتهم بعد الممات يطغى على صيتهم في الحياة، فلا تصدق أنهم أموات، تدفن أجسادهم أما أعمالهم وإنجازاتهم فلا يستطيع أحد أن يدفنها، ومن يحاول ذلك فهو كمن يحاول أن يدفن البحر. إنجازات الملك عبدالله ومآثره وأعماله لا يسعها التاريخ، ولا تتوقف عند حدود الجغرافيا وهذا لا يقدر عليه إلا العظماء.
الملك عبدالله من العظماء الذين يزداد صيتهم بعد الموت حتى يخال إليك أنهم لا يزالون أحياء، وكلنا نؤمن أن الموت حق فنعيد النظر متعجبين من قبر صغير في مقبرة العود كيف يضم رجلا عظيما بهذا الحجم.
سيدفن الجسد في مقبرة العود وستبقى المكارم يضيق بها التاريخ، بل إنها تستحق أن تكون تاريخا لوحدها.
سقتك الغوادي يا قبر أبي متعب، حيث يسكنك جسد لا ندري كيف نرثيه، فهل نرثي الأب الحنون أم الأخ المشفق أم الزعيم العظيم أم القائد الملهم.. أم نرثي رجل المواقف التاريخية التي ستروى للأجيال القادمة، فلو لم يكن له إلا ثباته كجبل "أحد" في وجه العواصف التي عصفت بالبلدان المجاورة وكادت أن تعصف ببلادنا لكانت كافية أن نرويها للأجيال، ونطلب منهم أن يتذكروها جيدا ونقول لهم هكذا يكون العظماء وهكذا تكون مواقفهم.
الملك عبدالله مضى وهو يحمل راية ناصعة البياض، فعلى مثله فلتبكِ البواكي وليس لها لائم.
نعم رايته بيضاء لأنه عامل المواطنين والمواطنات مثل أبنائه وبناته، ولم يتردد في إنفاق المليارات في سبيل خدمة المواطنين أينما وجدت حاجتهم وكانت مصلحتهم. رايته بيضاء لأن المليارات لا تساوي عنده هللات إذا كانت ستذهب للوطن وللمواطنين، رايته بيضاء لأنه أعلن حربه على الفساد، ولأنه ابتعث أكثر من مئتين ألف طالب وطالبة.. ولأنه افتتح أكثر من 20 جامعة في مختلف مناطق المملكة.. ولأنه أيضا خصص ربع تريليون لإسكان المواطنين.. ولأنه فوق ذلك رصد المليارات لتطوير التعليم والقضاء.. وهذه نماذج قليلة من إنجازاته الكثيرة.
عزاؤنا أن الملك عبدالله - رحمه الله - سلّم الراية إلى عظيم آخر وهو الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي اختاره الفقيد ووضع كامل الثقة فيه، وأوصاه بنا خيرا وهو أهل لذلك.
سلمان رجل الدولة المحنك الذي عركته السنون وصقلته الأحداث والتجارب، سلمان الذي جسّد وجوده عزاء للشعب السعودي في فقدان الملك عبدالله.. سلمان الذي توجهت إليه أنظار الشعب السعودي في يوم حزنه فوقف شامخا في وقت الشدائد ورغم أحزانه الشديدة، يطمئن الشعب السعودي ويذكرهم أنه "إذا سيد فينا قضى قام سيد".. وهكذا هي دولتنا وهكذا هو شعبنا، فرحم الله الملك عبدالله ووفق الله الملك سلمان وولي عهده وولي ولي عهده.