تبرأت الشؤون الصحية في الطائف منذ أسابيع مما ورد على لسان ناطقها الإعلامي من وصف غير لائق للصحفيين الذين يتجاهلون إيجابيات الصحة. وبعيدا عن اللغط حول هذا الموضوع والتراشق اللفظي بين بعض الجهات الخدمية وبين الجهات الإعلامية، أعتقد أن المهنية هي الفيصل في الموضوع، والمهنية هنا تشمل الطرفين فهي تعني المهنية الإدارية والمهنية الإعلامية، فإذا كانت المهنية الإعلامية تقتضي من الإعلام عموما والصحافة بوجه خاص ذكر السلبيات والإيجابيات، ليس بطريقة المدح والذم الإنشائي الذي ابتليت به بعض صحافتنا منذ زمن بعيد ولم تستطع التخلص منه حتى الآن، وإنما عن طريق المعلومات والإحصاءات الموثقة، فإن المهنية الإدارية تفرض على الجهات الخدمية أن توفر تلك المعلومات والإحصاءات وتقدمها لأي صحفي، ويجب على الصحافة أن توردها مجردة في الإطار المهني الذي يجعل القارئ يحترمها ويقدر الجهد الذي يبذله الصحفيون في الحصول على المعلومات من جهة، وفي التفريق بينها وبين الرأي وفي التمييز بين فنون الصحافة "خبرا أو تقريرا أو حوارا أو تحقيقا أو رأيا.. الخ" من جهة أخرى، إذ إن الملاحظ أن هذه الفنون مختلطة متداخلة في كثير مما ينشر.
ولعلني لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت: إن الأغلبية في الناحيتين يعرفون هذه الحقائق والبديهيات المهنية إدارية وإعلامية ولهذا فإن السؤال الذي لا تجد له إجابة مقنعة هو: لماذا لا يتم تطبيق هذه المعايير البديهية بين الطرفين، فما الذي يمنع مختلف القطاعات من توفير المعلومات والإحصاءات والتجاوب مع أي وسيلة إعلامية في أي وقت، وما الذي يمنع الصحف من استكمال شروط المهنية قبل نشر أي مادة إعلامية، هل هو عجز الطرفين أو عجز أحدهما أم عدم رغبة في ذلك منهما أو من أحدهما؟ وهل المشكلة مستعصية لهذه الدرجة التي جعلتها قضية مزمنة؟ هذا هو السؤال الجوهري في نظري الذي تكمن في إجابته العقدة التي بدون أن تجد حلا فإننا سنظل ندور في ذات الحلقة المفرغة، فمن الواضح أن المشكلة هنا مشتركة، وإذا أردنا تحقيق العلاقة التكاملية بين الإعلام وبين الجهات الخدمية فإن على هذه الأخيرة توفير المعلومات والإحصاءات بصورة منتظمة وكاملة، وعلى الصحافة تدريب منسوبيها بما يحقق استثمار هذه المعلومات وتوظيفها في إطارها الصحيح الذي يجعل القارئ يحترمها ويقدرها، ويجعل المسؤول يشعر أنها عين ثالثة عميقة النظرة، وسلطة رابعة تجعله يفكر في تحسين أدائه أولا قبل أن يفكر في مداهنتها أو تكذيبها، ولكن مرة أخرى يظل السؤال قائما لماذا لا يحدث ذلك؟