كتب زميلنا قينان الغامدي في حسابه على "تويتر" تغريدة أثارت حفيظة المتطرفين، وقد كانت تغريدة هجومية سقاهم بها من نفس وعائهم، ثم ظهر مناشدا بانتشال الفكر الاجتماعي من الضدية القائمة فيه.
ليس الهجوم سلبيا في كل أحواله، ولكن الذهاب إلى المنطقة المضادة والتعامل مع الآخر بمنطلقاته لا يعبر عن وجود آلية عقلانية للانطلاق من منطقة مغايرة تعمل على التصحيح.
فيما يرى البعض أن في أساليب الصراع الفكري الذي تعانيه ثقافتنا والمواجهة مع الآخر حلا مجديا لاكتساب القوة التي تسهم في إحلال سمة التعددية الفكرية بين أطياف المجتمع، على الرغم من أن الكثير من المواقف التي رصدناها وقامت على هذا التصور لم تنتج سوى حفلات من الشتائم والتنافر الشديد بين الآراء.
ومن جهة أخرى، فمن الممكن أن ينتج الصراع الفكري ثقافة جديدة تأتي في الأجيال القادمة التي تفكر في الخيارات، وترى أن هذه الصراعات أفقدت التيارات المختلفة أشكال القيم التي يريدونها ويربطون بينها وبين مستقبلهم وتطلعاتهم، ولكن هذا يعني أننا لم نصنع شيئا للحاضر، إذ عملت هذه الطريقة على تشويه الفكر، وسنترك الجيل القادم يربي نفسه كنقطة بداية ينقصها الكثير.
جميع الشكليات المفترضة في القواعد الاجتماعية التي يتحدث عنها البعض تبنى على الظن في أنها الطريقة المثلى لتنظيم السلوك، وهذا يأتي في شكل الوصاية على فكر الفرد بما تحمله من سلبيات، وبذلك علينا الإيمان بحق الآخر في التعبير عن رأيه، طالما بقي في إطار الموضوعية، وسنختلف على سبيل الإقناع للمتلقي إذا كان الترويج للفكرة يأتي بشكل التنافس الإعلاني وعلى طريقة التجار، فالأفكار المتأخرة التي تتربص للعودة إلى الواجهة ستقابلها إبادة ثقافية تؤمن بأبجديات الحوار، وهذا التغير يفرض نفسه ونتلمسه ولو بشكل نسبي وضئيل، ما يضطر هؤلاء إلى البحث عن طرق أخرى لتجديد حضورهم.
وعلى أي حال، فالأفكار التي تخاطب العقول ولا تحاصرها ستكون الأبقى والأصلح، وما يخرج عن هذا الإطار فعلى الحكومة أن تتولاه بفرض القوانين والأساليب التي من شأنها أن تنظم أخلاقيات المجتمع، وتضبط أساليب التعصب التي ينطلق منها بعض المتحدثين في طموحه بإلغاء الآخر، وتهديد أساليب التعايش والمواطنة التي تحقق الأمن ومن خلالها تنهض المجتمعات وتتقدم.