فاجأتني ابنتي الصغيرة في السابعة ببكائها المر على رحيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، مفاجأة امتزجت بالحزن على رحيل فقيد الأمة وملك القلوب، وبالفرح على هذا الالتصاق بين الشعب والقيادة، حينما يشعر الصغار أن ملك البلاد والدهم وبغيابه ينثرون الدمع الحار فهذه معادلة تستعصي على دول العالم صغيرها وكبيرها التي تنتخب رؤساءها والتي لا تنتخب، الديموقراطية وغير الديموقراطية، أتحدى أن يبكي صغار إحداها رئيسهم.
في كل بلدان العالم الرئيس هو مسؤول يؤدي عمله قد يصيب وقد يخطئ وعندما يرحل لا يكترث له الصغار أو لا يدرون عن رحيله.
امتزاج وشائج المحبة بين أعلى رأس في السلطة والصغار بهذه الدرجة من الحميمية ليس محصلة صدفة تحدث أحياناً وليس مجرد عادة، الحب حينما يخرج من القلب فهو يصل إلى القلب ويبقى فيه حتى يحدث ما يعكر صفو هذا القلب وهناءه فتكون الدموع عزاءه. معادلة رأسها الوفاء وأساسها الوفاء، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، الملك عبدالله الإنسان المخلص الصادق الذي ركض في بلاده شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً يلاحق التنمية ومتطلباتها هنا وهناك وينشر التعليم الجامعي هنا وهناك وفي كل أرجاء العالم فكان له الوفاء من شعبه الوفي صغيره وكبيره.
حينما أخبرت أقاربي وأصدقائي عن دموع ابنتي أخبروني أن صغارهم بكى منهم من بكى وخنقت العبرة من خنقت، شعور وطني صادق على فراق الفقيد لا تملؤه السطور ولا تسوده الصفحات.
أحاديثه -رحمه الله- البسيطة العفوية الصادقة كانت تصل إلى الصغار والكبار وتؤثر فينا وتزيدنا تعلقاً به.
نجاح المملكة في إحياء اليوم الوطني في المدارس كان وسيلة مثلى للصغار ليعون معنى الوطن وشعاره ورموزه وأناشيده وفرحه وزادهم تعلقاً به بالشالات التي يعلقونها على أكتافهم بصور القيادة تزين ملابسهم حينما تكتسي البلاد الأخضر ونكون كلنا الوطن.
إحياء اليوم الوطني في المدارس عزز الشعور بالوطنية عند الصغار عكس مقرر التربية الوطنية في المدارس الذي يحتاج إلى إعادة نظر.
هذا التقارب الوطني المليء بالحب بين القيادة والشعب يفرحنا جميعاً ومكسب لنا جميعاً ويستحق الشكر من رب العباد على نعمة الصفاء هذه في وقت تعج فيه دول الجوار بالعواصف.
في ظهيرة الجمعة التي رحل فيها الفقيد خرجت لقضاء حوائجي في شوارع الرياض كانت الدنيا هادئة ولم يكن هناك جيش منتشر في الشوارع ولا ضجيج ولا لافتات سوى سيارة شرطة مسرعة، أمسكت الجانب الأيمن من الطريق حتى تمر فأمضي إلى حاجتي كأي يوم عادي آخر في الرياض، وحمدت الله على نعمة الأمن والأمان ودعوت للفقيد بالرحمة.
أتت سلاسة انتقال السلطة بتراتبية مقنعة مريحة للجميع خصوصاً دخول الجيل الثاني من الأسرة المالكة في سلم الحكم، الذي أتى في وقته المناسب من الملك الحكيم سلمان بن عبدالعزيز الذي رتب الأوراق بسرعة متناهية وبدقته وفقه الله في تسيير الأمور التي عرفناها عنه منذ أن ظهرت على الدنيا في الرياض التي ولدت فيها ونشأت فيها، وكان الملك سلمان حديث الناس بمهنيته العالية وقربه من الناس وتفاعله معهم في أفراحهم وأحزانهم وتقديره للكبير والصغير.
وفق الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قيادة بلادنا ونصره بأخيه ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز وسنده ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وحمى الله بلادنا من كل سوء.