إن مصطلح "الاستراتيجية" كلفظ مجرد بحد ذاته لا كونه صفة مضافة إلى موصوف مصطلح عائم في العصر الحديث يصعب تعريفه، وقد اعتمد كثير من معرفي هذا اللفظ على مراجع عدة ولكنها لا تفضي إلى المدلول الواضح، فهناك من استمد التعريف من معجم أكسفورد الذي عرف الكلمة بأنها فن الحرب، وهناك من نظر إلى التعريف فربطه بالعملية الإدارية وتحدث عن الأهداف والوسائل والطرق الموصلة للأهداف فكان مرادفا لمفهوم التخطيط الذي أصبحت الاستراتيجية مضافة له عنوة في كل مرة، فالفرق بين التخطيط والتخطيط الاستراتيجي لا يمكن أن يكون المفهوم الأشمل للاستراتيجية.

وكلما أضيفت الاستراتيجية إلى اسم كان التشتت أكبر، فأحيانا نتحدث عن أهمية الموقع على جميع المستويات فنقول موقع استراتيجي ولكن لا يمكن أن نعرف أهمية هذا الموقع بمجرد سماع اللفظ ما لم يتم التفصيل في أهميته والغرض منه. وأيضا نتحدث عن أهمية التحالفات فنقول حليف استراتيجي وهذا أيضا رهن بالغاية من هذا الحلف. كما في التسويق فإننا نتحدث عن سلعتنا الاستراتيجية وكذلك شريكنا الاستراتيجي.

إن ما يمكن أن يكون مشتركا في عملية إضافة صفة الاستراتيجية إلى تلك الأسماء ويفضي إلى فهم للمدلول هو ربطها بالأهداف العليا والغايات الكبرى لا يمكن أن نطلق على أي موقع أو حليف أو سلعة أو شريك أو خطة أنها استراتيجية ما لم تكن توصلنا للأهداف الكبرى والغايات العليا للمنظمة (بأي شكل كانت). وعليه فإن هناك طرحا يسبق مسألة الوصف وهو تحديد الأهداف للكيان. إن عملية تحديد الأهداف تتم بطرق منهجية عدة يجدها المهتم بالعلوم الاستراتيجية في كثير من المراجع، ولكن الأهم وهو ما أتمنى أن أوصل القارئ لفهمه هو من يضع اللبنات الأول لتلك الأهداف، من الذي يحدد أننا بحاجة إلى أهداف استراتيجية، من يقرأ التاريخ قراءة محايدة ويحلل الواقع تحليلا مجردا ويستبصر المستقبل بفطنته. إن من يحمل هذا الفكر جدير بأن يحمل اسم المفكر الاستراتيجي الذي يجمع بين عقول هوارد جاردنر الخمسة (المتخصص – التركيبي – الإبداعي – المحترم – الأخلاقي) أنه من يتمتع بقدرة فائقة في التمييز بين المهم والأهم بين الوقائع والأحداث، ومن يتمكن من تركيب تلك الشواهد تركيبا منطقيا فذا غريبا فيربط خيوط الأحداث بعضها ببعض كنسج الخيال من الماضي والحاضر وتجسيدها في المستقبل بطريقة مبدعة. دائما آراؤه مستندة إلى حقائق. إنه من تجده ينظر للأمور بمنظار عادة ما يكون شاذا للعامة وعادة ما يلام عليه ويكون فرقا بين أقرانه ومن بعده ومن قبله. أفكاره في الغالب غير مقبولة ليس لأنها باطلة بل لأن العقول لا تتمكن من إدراكها في الوقت الحالي ولكن يتم العودة لها لاحقا ويتم إقرارها. إن مثل هذه الصفات يمكن للشخص اكتسابها من خلال الدراسة والتجربة والمثابرة ولكن لا بد من أن تكون هناك بعض السمات الفطرية في هذا الشخص التي أكسبته هذه الصفة بالإضافة إلى ما اكتسبه بعلمه ومثابرته وخبرته. إن من الأجدى أن نفتش بيننا فنبحث عن ذلك الشخص ونستخلص معرفته.